رد: الشاعر الحكيم / عبدالله بن حمد السناني رحمه الله
كُتب : [ 22 - 06 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
أصدقاء الشعر : الحقيقة أنه لا أظــــن لمثلي أن يحيط بهؤلاء الأصدقاء خاصة في تأريخ الوالد القديم فهو موضوع أكبر مني، وكذلك من كان منهم بعد رحيلي إلى الرياض في آخر أربع سنوات غاب عني الكثير من الأحداث التي عايشها الوالد رحمه الله، وحينما تقرأ لبعض الأدباء الذين عاشوا قديماً في عنيزة ممن قدر لهم أن يكتبوا إشارات عن تأريخ أدبها فإنك تجد شذرات متناثرة هنا وهنا فتستشف منها أن هناك أموراً غائبة كثيرة تحتاج إلى خريت أدب ليجمعها من أفواه الرجال وليس لها إلا الأدباء والمؤرخون، ولكن أين هم ؟ فانظر على سبيل المثال ما جاء في جريدة الجزيرة الثقافية في يوم الأثنين 25 /رجب/1424 العدد (29) تحت موضوع ( خواطر مرسلة عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله رتّبها وأعاد تبويبها وهيأها للنشر في المجلة الثقافية الأستاذ الدكتور / عبدالكريم بن محمد الأسعد أستاذ النحو والصرف والبلاغة سابقاً بجامعة الملك سعود . الأستاذ / سعد بن ابراهيم أبو معطي ) حين يقول : " شارك « أبو ساطي » رحمه الله وأرضاه خلال عمله بعنيزة مشاركاتٍ أدبية بارزة في ميدان الأدب شعره ونثره، وفي تلك الأيام كان للأدب بين الشباب جولاتٍ وصولات لم تحدَّ منها ولم تعل عليها ميادينُ " الكرة والأقدام " فكان للفقيد الغالي إسهامات شعريةٌ رفيعة وردود وتعليقات أدبية كان يقدمها في ميدان « النادي الثقافي » طيَّب الله ذكره وعلى منصة « النادي الأدبي » بالمعهد ... وكانت لمقطوعاته الشعرية وقصائده نفحةٌ حزينة تجلو بتاريخه وتترجم آلمه ومعاناته بحيث يكون كما عبّر عن نفسه " كأنني بعد تننُّسي بها خرجت من معتقلٍ مظلم إلى جنبات حديقة مورده ". شارك في النادي بقصيدته " السِّينية " التي أهداها إلى الذين يسامرون نجوم الليل والخليُّون نُوَّمُ ويتقلبون في أتون الأحزان والأسى وسواهم لا يحسون تبعات الحياة ولأدائها !!.. وقد جاء من حسن القصيدة الحراء ما يلي :-
كلَّما فاضت الهموم بكأسي
= أتأسَّى وليس يجدي التأسِّي
أحتسي من كؤوسها كل صابٍ
= علقم طافحٍ بآلام نفسي
كلَّما أقلعت مراكبُ منها
= إذْ بأخرى أشدُّ منهن تُرسى !!!
أثارت هذه القصيدة التي تبلغ 27 " بيتاً " زوبعة أدبيةً وفكرية تجسّدت في المعارضات الشعريّة التي أوحت بها وأيقظت شجونها .. فقد عارضها كاتب هذه السطور بقصيدة منها :-
زدني يا سعدُ من شجونك زدني
= فلقد فاض بالمرارة كأسي
أنت في لجة الحياةِ مُعنّىً
= بهمومٍ " وما أبرئ نفسي "
فيك ما في جوانحي من وجومٍ
= فضَّة الوطء مثقلاتٍ بيأسي
وعارضهاالشاعر المرحوم الأستاذ / عبدالله الحمد السناني بقصيدةٍ شجية منها :-
آه يا دهرُ قد تلقيت درسي
= واعياً قبلما نعومةِ خَمسِ
قلب الدهرُ لي المجنَّ مفيداً
= حالك اللون مثل غربيب عبسِ
يا خليليَّ واطويا صفحة الحزن
= فعقبى الظلامِ إشراقُ شمسِ
وعارض الثلاثة شاعرٌ رابع هو الأديب الأستاذ / محمد الحمد السليم أمير عنيزة الحالي بقصيدة مشجية لا تحتفظ الذاكرةُ منها بشيء للأسف " أ.هـ. لكن ممن أعرف وهم قليل جداً من المتأخرين :-
1- الأستاذ / محمد البراهيم السلمان رحمه الله الذي كان بينه وبين الوالد في آخر عمر الوالد قصائد كل منهما يشتكي للآخر بالشعر الشعبي، ومن ذاك ما قال له الوالد في مطلع قصيدة شعبية قبل وفاته بسنة واحدة تقريبًا في 28/2/1408هـ :-
سر يا قلم وانشر مطاوي كنينها
= في نفس محرور لحْيْــــــــد يعينهـا
لمحمد السلمـان ذرب المعاملـة
= مبارك في زين الليـالي وشينهـــــــا
وفصّل لبوبراهيم ما جـرّح الحشا
= ولو كان من شكواك مثلك طعينها
حتى قال :-
بلاني بتال الوقت من هان واجبي
= شقي نفسٍ حر خطو نذلٍ يهينها
تمثنيت بأيامي بستر وسلامـــــــــة
= ولا ناب ملفاها ولا ذاب حينها
وعيبي حياي وعلتي طيب الربـــا
= ولي شيمة عيّت تقبـل عطينها
ربينا مع أجواد تنحوا وودعـــــوا
= خلفهـم هثيـل ليتنا سابقينها
ولا صار مقبلهم مثل حاضرينهم
= عسى البيض فصي ما يدورج جنينها
ولعل هذه القصيدة كانت بعد المضايقة التي تعرض لها الوالد في عمله فقدم على إثرها تقاعده بقرينة وقوعهــا بنفس شهر التقاعد، أو لأن الوالد ــ وهو الأظهر عندي ــ أراد من شخص معروف حقاً مالياً وكان بضائقة شديدة فتطــاول عليه وواجهه بكلام سوقي قذر كما قاله لي الوالد رحمه الله بنصه، وقد قالت لي الوالدة حفظها الله عن أيامه تلك مع هذا الرجل أنه كان لا ينام الليل وإذا نام فإنه يزفر في نومه بحرقه . ولمّا أراد الوالـد أن يشتكيه وابتدأ في ذلك لمته رحمه الله لمّا زارنا في الرياض في أيام زواجي : بأنك قد صبرت في شبابك وأحلك أيامك على أمرّ من ذلك صيانة لنفسك، والآن في آخر عمرك تنزل نفسك منزلة هؤلاء الرعاع، وأظنه قال في ذلك :-
أنا وردة عزلاء تنفح
= بالعبـير لمـن عــــــــــبر
أنا نحلة في شهدها
= الممنوح قد رمت الأبر
أنا هكذا لكنـــني
= في ذاك مــــوفور الخطر
فكرامتي مثل الحمى
= ما مسـه غـير المــــــــطر
يا ظالمي ليس الحطا
= م كـرامةً يـاذا الأشــــــــر
لكرامتي لا أطـاولك
= الخصـــومة يا غُـــــــــــدَر
أنا لا أجيد كما تجيد
= ولن أنازعــك القــــــذر
سأغض طرفي زاهداً
= لأزيح عن نفسي الكدر
وإذا خسرت فمكسبي
= شــرفي وأجــر يدّخـر
راوغ فإنـــــــــك ثعلـــــب
= وافخــر فأنـت المنتـصر
ولسوف يحكــم بيننـــــــا
= قــــاض له عــدل القدر
2- ابن أخت الوالد رحمه الله الأستاذ / صالح الأحمد العثيمين، الذي كتب قصيدة للوالد رحمه الله بتأريخ 12/12/1403هـ يهنئه بالعيد قال في افتتاحها : " إلى الذي تعلمنا منه كيف تولد الحروف، وتضيء الكلمات، وكيف تجود المواسم والفصول : الخال الكريم أبو سامي " وفي ثناياها قال :-
ملاعبك الخضراء فينا خميلة
= بها عالم من عالم الحبّ يصدح
أضعناك لمَّا ضاع منا طريقنـا
= فكيف إلى لقياك نهفوا ونطمح
وعفوك يا سراً بليـلاتِ عمرنا
= به قد عرفنا كيف نأسى ونفرح
فأنت وإن عزّ اللقـاء حبيبنـا
= له في قلوب الكلّ عهد ومسرح
عرفناك في الروح الكريم وفيضها
= وفي الباقيات الغَر كفّاك تمنـح
تهانيَّ يا جيلاً من الحب قـائماً
= يطـير به حـبٌّ إليك مجنـحّ
فرد عليه الوالد بقصيدة منها :-
تلاقت بجو العيد أجنحة الهوى
= فسر اغترابي زاجل منك يفصح
ولم أدر أن العيد مرّ بخيمتي
= سوى أن أوتاراً بكفيك تصدح
تنغم روحًا قد صفى فيك جوهراً
= كأنغام غيث الوسم والأرض تكلح
أبا خالد ذكرت من ليس ناسياً
= ولكن شراعي في مراسيه يرزح
وقد شاخت الأحلام وشخت بينها
= فلا زهرة في المنحـنى تتفتـح
فأين المراعي الخضر والسحب والصَّبا
= ولهو صبانا والشبـاب الموشـح
أقلب في الأسماء والعيد ناظري
= فلا أبصـر المضمون والجد يمزح
3- ومنهم الأستاذ / عبدالرحمن المنير المساعد الذي يجتمع معه في ديقته والذي رثى الوالد رحمه الله في مرثية تدل على شاعرية مرهفة تقدم طرفاً منها، فقال :-
عليك أبا سامي أصارع زفرة
= تسوق الردى من حيث داوي طبيبها
خسرناك يا وجه المرؤة والندى
= ويا رافــع الغايات عمـا يريبهـا
خسرناك أستاذاً وحامل رايـة
= تــدور رحاها كيف شـاء لبيبها
قرابة نصف القرن والليل شعلة
= تلظـى على رأس اليفـاع لهيبهـا
تنافح بالإيمان عن مجـد أمـة
= عوى مـن وراء السّد للشاة ذيبها
لعل الذي فيها سماديـر غفوة
= وعمّـا قليـل تستقيـم دروبها
بأي كتاب يخفر الحفل صوته
= وأنـت المعـاني ربّهـا وربيبهـا
4- ومنهم الأستاذ الفاضل الوفيّ / حسين مبارك الفايز الذي رثى الوالد رحمه في مرثية منها :-
كم كنت فينا أبا سامي أخا ثقة
= وكنت أستاذنا إن سائل سألا
من للقوافي أبا سامي ينسقهـا
= إن عنّ أمر من الأحداث أو أفلا
يا راحـلاً وعتاباً كنت تحمله
= عذراً فعتبك في الأحشاء قد نزلا
راح الصحاب فكل بات منشغلاً
= فما عتابك مشغولاً قد انشغلا
قد كنت أهفو إلى لقياك في أمل
= إني أراك بثوب العز مشتملاً
لكنه القدر المحتوم ليس لنا
= أدنى خلاص إذا ما حل أو نزلاً
5- الأستاذ / عبدالرحمن العبدالله الهقاص قال أبو زياد الذي كنت أراه أيام دراستي في الثانوية العامة لكنه لم يدرسني لأنه كان يدرس القسم الأدبي في وقتي لكن كان يترامى على أسماعنا ثناء زملائنا الطلاب عليه، فقد قال في رثاء الوالد : " عبدالله الحمد السناني ( أبو سامي ) الأستاذ الشاعر المربي عرفته معلماً لي في المدرسة السعودية الإبتدائية في عنيزة ثم صديقاً وزميلاً موظفاً في الثانوية العامة في عنيزة تربع على عرش الشعر الفصيح، له منهج واضح في الشعر العامي كانت الثانوية العامة شبه منتدى لتبادل الفكاهات المقطوعات والقصائد الجادة توفي رحمه الله في أواخر الشهر المحرم عام 1409هـ ولا أقول إني أرثيه فهو أكبر من أن يحيط به رثائي ولكنها ذكرى حزينه ". فكان مما قال في رثائه جزاه الله خيراً :-
هو فارس الشعر هو راسه وخَيَّاله
= ميدان الإبداع تفخر فيه الايَّامي
الشعر باللَّهْجه الفصحى يخَلَّى له
= من مِلْهِم الشعر فاز ابْسِرّ الإلْهَامي
بالموهبه قَيَّد التاريخ بِحْبَاله
= وِبْسَاحة الشعر حَطَّم كل الأرْقَامي
لو عاش في صَفْوةَ الماضي مَعَ اجْيَاله
= ما زاد عنه الفرزدق وبُوتمامي
والشعر في لَهْجِةَ الشَّعْبِي على باله
= إن زار جَوِّه تِسَيَّد فيه إلى حامي
ابن شريم إن ذكرته يِبْرِم القَاله
= وابن دويرج بلا تعليق وِخْصَامي
مع شعر أبو ماجد اللي صارَ له هاله
= تبقى المشاهير عامٍ يَتْبِعه عامي
هو مِثْلهم في فنون الشعر وأشكاله
= يَسْبِق بحُبّ العرب وِهْمُوم الإسلامي
فَقْدِه مصيبه عسى الله يَرْحَم الحاله
= وِيْضَاعف أجره ويَمْحَى عنه الآثَامي
يَفْسَح له القبر مَدَّ الشُّوف عن جاله
= يا رب تكتب له الرحمه والإكْرَامي
مِنِّي صلاةٍ على المختار مَعْ آله
= وَأرْدِف سلامي عَدَد سِيرٍ بالاقْدَامي
( يتبع )
|