رد: الشاعر الحكيم / عبدالله بن حمد السناني رحمه الله
كُتب : [ 24 - 06 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة الديوان : كان رحمه الله يفكر في طباعة ديوانه ويمني نفسه دون أن يقرن ذلك بالعمل، وهو في ذلك على مرحلتين :-
الأولى : في أول الأمر قديماً فلا أدري تحديداً لماذا لم ينشط الوالد لذلك ؟ مع أنه كان يحرص في كثير من الأحيان على نشر قصائده في الجرائد المحلية، إلا أني أعزوه لأسباب منها :-
(1) أن الوالد رحمه الله لم يكن يرى من يحتفي بشعره حتى من أهل بلدته بل ربما رأى جفاءً متعمداً من البعض، حتى إنني لمّا حدثته ــ وأنا في مقيم في مدينة الرياض ــ بعودتي لعنيزة نصحني بعدم العودة معللاً بأمر لن أذكره، وفحواه أنك إن أردت النجاح فكن بعيداً عن عنيزة، لكني رجعت بعد موته رحمه الله لأجل والدتي حفظها الله . وحتى في المهرجانات الأخيرة كرموا شعراء قد لا يسير بعضهم في مضمار الوالد رحمه الله في الشعر والثقافة والمكانة، إضافة إلى أنه كان لسانهم وخطيبهم في المجامع الكبيرة في حياته كما ذكرت في أول الترجمة، لكني عزوت السبب هذه المرة ــ والله أعلم ــ لكون المسؤول عن تنسيق التكريم في المهرجان له موقف سيء مع الوالد رحمه الله كما سمعته من الوالد رحمه الله حين كان هذا الرجل مسؤولاً في الشركة التي تولت بناء بيت الوالد، وهو البيت الوحيد الذي بناه في حياته ففرح به، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى تقشرت صبغته وتشققت جدرانه بشكل عميق، ومات رحمه الله بحسرته والبيت على هذه الحال لأنه لم ينته معهم إلى حل . وفي مثل هذا الأمر يقول الوالد رحمه الله بقصيدة جزلة بعنوان " الأمانة والإنسان " :-
ما كل من حمل الأمانة صانها
= يا ويحها كم كذّبت إنسانها
قُتلت كرامتها وكلُّ يدّعــــــي
= عند التظاهر سبقه فرسانها
ولطالما انخدعت بعصمة مدعٍ
= حتى إّذا بلغ المآرب خانها
(2) كذلك أذكر أنه رحمه الله قال لي ذات مرة عن بعض القائمين على الصفحات الأدبية في الصحف : أنهم كانوا يتثاقلون وربما يمتنعون عن نشر شعره، مع أن بعض القائمين عليها من عنيزة آنذاك . فلعل هذا مما زاد في إحباطه . وبعضهم سامحه الله ممن تقلد بعد وفاته رحمه الله الدعوة لطبع ديوانه على صفحات الجريدة، لكن بعدما أضاعوا صاحب الديوان في حياته .
(3) كذلك ما كان منه رحمه الله من نقص الخبرة في أمور الطباعة تلك الأيام مع قلة ذات اليد التي كانت حاجزاً في كثير من أموره التي كان يخطط لها في الشعر وغيره .
(4) أنه رحمه الله كان يحتقر نفسه كثيراً، ولذا لمّا عرض عليه بعض طلاب الماجستير أن يكتب عنه رسالة أكاديمية أبى رحمه الله متعللاً بأنه لا يرى نفسه أهلاً لذلك .
أما في آخر حياته فعرض له أمر جديد وهو خوفه من أن يكون في شعره ما يلحقه إثمه بالآخرة، ولذا كان يكرر كلما سأله أحد عن طبع ديوانه أنه سيراجعه لإعداد ما يصلح للنشر منه، فقد ذكر الأستاذ الدكتور / حسن الهويمل في جريدة الجزيرة بتأريخ 7/4/1409هـ بعد وفاة الوالد رحمه الله برسالة نشرت في الجريدة أنه سبق أن عرض على الوالد رحمه الله ذلك فقال : ( تبلغ النادي خبر وفاة الشاعر / عبدالله الحمد السناني رحمه الله، وبما أنه مــــن الشعراء المعدودين في شعراء المملكة والبارزين في منطقة القصيم، وقد سبق وطلب النادي من الراحل نشر شعره فوعد بإعداده للنشر .. " أ.هـ. وفي مرض موته زاره في المستشفى العسكري أحد شعراء عنيزة الشباب آنذاك وهو من سكان الرياض أظنه الأخ الأديب " السماعيل " إن لم تخني الذاكرة، فطلب من الوالد رحمه الله أن يخرج شعره لأجل أن يطبع في ديوان فقال له لوالد بما معناه : إذا عافاني الله تعالى، فسأعد ما أرى نشره، وأحرق ما لا يصلح، فقال له الأخ : لا تفعل يا أبا سامي !! لأجل أن تدرس مراحل شعرك كلها، فقلت له أنا : إذا كان الشاعر يقول في الغضب ما يخشى أن يلحقه أثمه في الآخرة فما تفيده دراسة شعره، فسكت . وكان الوالد رحمه الله يكرر عبارة عزمه على تنقيح شعره كلما سئل عن ديوانه في آخر حياته، بل لاحظت أنه كان يحرص على تنبيهي بأن لديه قصائده في الزهد والرثاء فرأيت أنه يعرض لي بنشرها، فأشرت على الدكتور / طارق الحبيب وكان طالباً آنذاك فأجرى معه حواراً نشره في حينه في رسالة جامعة الملك سعود، ثم في مقالة بعنوان " السناني في ذمة الله " في الجزيرة في العدد "5828" في الأول من شهر صفر سنة ( 1409هـ ) وفي شعره يقول الوالد رحمه الله مشيراً لما قدمت من الجفاء الذي شعر به :-
هاكم شعري رصينا
= حاولوا أن تقرؤوه
ولكـم فيــه خيـــــــار
= ولكم أن ترفضوه
فإذا جاز لديكــــــــــم
= فاقبلـوه وافهموه
وإذا لـم تقبلــــــــــوه
= فعلى الرف ضعوه
ربما يخلق قـــــــــومٌ
= ســرهم أن يقتنــوه
في زمان أو مكـــــان
= قولهـم لا فــــضّ فوه
كم أديب ساء حظــــاً
= بين جيل عاصروه
ذنبه جاء أخيـــــــــــراً
= دون ركب سبقوه
أو أتى أسرع سيــــــراً
= قبل جيلٍ خلـــفوه
أما المقالات والكتب : فليس للوالد رحمه الله كتباً ألفها، وإنما أعرف أن له مقالات كتبها وأذيع بعضها في الإذاعة نشرت إحداها " صحيفة الجزيرة " يوم الأثنين 1/8/1426هـ بعنوان " الدين الإسلامي هو الدين الأوحد " جاء فيه : " ولقد كانت بعض بلادنا النجدية قبل أن يأتي إليها المرشد العظيم الشيخ / محمد بن عبدالوهاب شبيهة بها قبل الإسلام فهي مضربة تملؤها الفوضى ويكتنفها الشرور وتسيطر عليها النزعات الجاهلية المحضة، فحين قرّ الدين في روعها واستنارت به حصاتها تطورت تطوراً عجيباً فأنجبت العلماء الأفاضل والحكام الراشدين، وعم الأمن والوئام، وفي بلادنا اليوم والحمد لله أكبر برهان على ذلك فهي تتمتع بما جعلها محل غبطة كل البلدان العربية وغيرها وما ذلك إلا بفضل الدين على أيدي القائمين بخدمته والساعين إلى اتخاذه كدستور سماوي خطير كامل . فما أجدرنا أيها السادة المستمعون أن نحتفظ بديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن نحوط ملكنا بسياجه المتين فلقد ذاق بعض أسلافنا وجل حاضرنا بإضاعة الأمرين فلم يحوزوا الدنيا ولم يحفظوا الدين، فتوالت النكبات وواجهتهم المصاعب التي لقي آباؤنا من قبل أفدح منها فذللوها بفضل إيمانهم وتغلبوا عليها مع أنهم لم يصلوا إلى بعض قوات وعدد الوقت الحاضر، فمصروا الأمصار وفتحوا المدن ورفعوا علم الإسلام على مفرق كل عاصمة وحصن، ولقد يصاب الأعداء من رعبهم أعظم مما تبعثه اليوم المدافع الرشاشة والثقيلة والدبابات والقنابل .... الخ، وكان موقف خصومهم وما أسوأه من موقف بين أمرين : إما أن يعتنقوا الإسلام ويتركوا أديانهم وما ذلك عليهم بيسير، وإما أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون . أفلا يجب أن تتحرق القلوب من الأسى إذا أبصرنا أن المادة انعكست فطغت المبادئ الفاجرة التي إنما تعمل لإشباع نفوس شيطانية تعرت من الأخلاق والفضائل ومقومات الحياة الحرة الطاهرة وانبعث بها أشقى دعاتها، فما هي إلا أن دوت في الخافقين فوجدت آذاناً مصغية وقلوباً خالية فتمكنت بسويدائها، واختلطت بشرايينها . ولسنا نخاف على الإسلام أن تنطفئ شعلته فإن نوره هو الغالب وهو الصامد الباقي إلى قيام الساعة كما أن له أنصاراً يعضون عليه بالنواجذ ويزيدهم طغيان من سواهم قوةً واستمساكاً، ولكننا نخاف من كثير ممن لم يرزقوا ثباتاً روحياً وعقولاً سليمةً حرةً تصمد بنفسها أن تخدعهم تلك المظاهر الخلابة فتجد من نفوسهم ميلاً وقبولاً لها فيصبحون فيما بيننا بؤرة فساد وشلل، فهم بذور التفرقة وعنصر الخلاف وإن كانوا متجنسين بجنسنا، ولكنهم في الواقع أشد خطراً من الأجانب البعداء ". فرحمه الله كأنه يتحدث عن واقعنا اليوم .
والظاهر أنه لو تتبع أحد هذه الكتابات للوالد في الصحف وغيرها لوجد أكثر لأن الشيخ / عبدالله بن عبدالرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله وهو المؤرخ الكبير وصف الوالد رحمه الله في كتابـه " علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) بأن له كتابات بليغة حين قال : " فصار من كبار شعراء نجد المعاصرين، وكان اطلاعه وإدراكه من كثرة قراءته وملازمته الكتــب المفيـــدة في القراءة الحرة، وزاول المترجم مهنة التدريس فصـــار محبوباً من زملائه ومن تلاميذه لحسن أخلاقه وكمال سلوكــــه وطيب حديثه، ولـــــه قصائد جيـاد، وكتابـــات بليغة " أ.هـ.
|