رد: معن بن زائدة والحلم
كُتب : [ 20 - 07 - 2009 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار / معن بن زائدة وما هو عليه من وفرة الحلم ولين الجانب وأطالوا في ذلك، فقام أعرابي وآلى على نفسه أن يغضبه، فقالوا : إن قدرت على إغضابه فلك مائة بعير، فإنطلق الأعرابي إلى بيته وعمد إلى شاة له فسلخها ثم إرتدى إهابها جاعلاً باطنه ظاهره ثم دخل على معن بصورته تلك ووقف أمامه طافح العينين كالخليع، تارة ينظر إلى الأرض وتارة ينظر إلى السماء، ثم قال :-
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
= وإذ نعليك من جلد البعير
قال معن : أذكر ذلك ولا أنساه يا أخا العرب .
فقال الأعرابي :-
فسبحان الذي أعطاك ملكاً
= وعلمك الجلوس على السرير
فقال معن : سبحانه وتعالى .
وقال الأعرابي :-
فلست مُسَلِّماً ما عشتُ حياً
= على معن بتسليم الأمير
قال معن : إن سلَّمت رددنا عليك السلام، وإن تركت فلا ضير عليك .
فقال الأعرابي :-
سأرحل عن بلاد أنت فيها
= ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن : إن أقمت بنا فعلى الرحب والسعة، وإن رحلت عنا فمصحوباً بالسلامة .
فقال الأعرابي وقد أعياه حلم معن :-
فجد لي يابن ناقصة بمال
= فإني قد عزمت على المسير
فقال معن : أعطوه ألف دينار .
فأخذها وقال :-
قليل ما أتيتَ به وإني
= لأطمع منك بالمال الكثير
فثنِّ فقد أتاك الملك عفواً
= بلا عقل ولا رأي منير
فقال معن : أعطوه ألفاً ثانياً .
فتقدم الأعرابي إليه وقبل يديه ورجليه وقال :-
سألت الله أن يبقيك ذخراً
= فما لك في البرية من نظير
فمنك الجود والإفضال
= حقاً وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن : أعطيناه على هَجوِنا ألفين، فأعطوه على مدحنا أربعة آلاف .
فقال الأعرابي :-
جُعِلتُ فداك، ما فعلت ذلك إلا لمائة بعير جُعِلَت على إغضابك .
فقال معن : لا خوف عليك، ثم أمر له بمائتي بعير، نصفها للرهان والنصف الآخر له .
فإنصرف الأعرابي داعياً شاكراً .
وتلك قصة تعزز المعنى السامي لفضيلة الحلم، فالحلم هو ضبط النفس عند الغضب، والصبر على الأذى، من غير ضعف ولا عجز ولا خور إبتغاء وجه الله تعالى وتتفاوت قدرات الناس في ضبط النفس، والصبر على الأذى، فمنهم من يكون سريع الإنفعال ويقابل الأذى دون النظر في العواقب، ومنهم من يتمالك نفسه، ويكبح جماح غضبه، ويتحلى بالصبر والحلم ويتلمس الأعذار والمبررات لمن أساء إليه وهذا هو الرجل الحليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب )
دائما نسمع عن الحلم ونعرف أنه من أنبل الصفات والخصال التي يحبها الله ورسوله ومعن بن زائدة : هو / معن بن زائدة بن عبدالله بن مطر الشيباني - أبو الوليد - من أشهر أجواد العرب, وأحد الشجعان الفصحاء, أدرك العصرين الأموي والعباسي ولي سجستان وأقام فيها مده, قتل غيلة سنة ( 151 هـ ـ 768 م ) وهو أحد أبطال الإسلام، وعين الأجواد وقد ولى سجستان ووثب عليه خوارج وهو يحتجم فقتلوه فقتلهم ابن أخيه / يزيد بن مزيد الأمير في سنة اثنتين وخمسين ومائة وقيل : سنة ثمان وخمسين ومن قصصه أن أهدر الخليفة المهدي - ثالث خلفاء بني العباس - دم رجل كان يعمل ضده، وجعل الخليفة جائزة كبيرة لمن يأتي به حيا أو ميتا، وظل هذا الرجل وقتا غير قصير خائفا مختفيا عن الأنظار وذات مرة كان يسير في أحد شوارع مدينة بغداد متنكرا فرآه رجل كان يعرفه فأمسك به وأخبره بأن الخليفة يبحث عنه، واجتمع بعض المارة في الطريق حوله، وكان منهم / معن بن زائدة فطلب الرجل من معن أن يجيره فأجاره، وطلب من رجاله أن يحملوه إلى المنزل، فغضب الرجل الذي أمسك به، وأخبر / معن بن زائدة بأن عمله هذا تحدٍّ لرغبة الخليفة، وأنه سيخبر الخليفة فأجابه معن بأن يذهب إلى الخليفة ويخبره بأن الرجل المطلوب أجير من معن ذهب الرجل إلى الخليفة المهدي وأخبره بما حدث، فأرسل الخليفة رسوله ليحضر / معن بن زائدة فركب معن دابته، ونبه على رجاله أن لا يفرطوا في الرجل وفيهم عين ترى ولما دخل معن على الخليفة المهدي سلم، ولكن المهدي أبى أن يرد عليه السلام وعاتبه لأنه يحمي ويجير رجلا عصى الخليفة فرد معن بأنه كان مخلصا للخليفة في أمور كثيرة، أفلا يكون أهلا لأن يهب له رجلا استجار به ؟ فرفع الخليفة رأسه وقال : لقد أجرنا من أجرت يا معن وقد استدعاه المنصور العباسي لقتال الخوارج في خراسان فتبعه رجلان من خوارج حضرموت وقتلاه في الطريق ثارا لأبيهما عام 151 هجريه وفي ذلك يقول / عبدالرحمن بن يونس الأجعدي شعرا عتد مقتل / معن بن زائده :-
يا معن أصبحت في بيداء مظلمة
= من بعد ما كنت بين الناس مختالا
حتى أتاك ابن عمرو في أطامرة
= من شربة جعلت في الصدر أنكالا
وكان معن بن زائدة معروفا بالكرم، فلما ولي اليمن قصده الشاعر / مروان بن أبي حفصة ومدحه بالقصيدة النونية المشهورة فأعطاه ألف دينار وقدم معن عقب ذلك فدخل على المنصور، فتجهم له المنصور ولم يرحب بمقدمه، ودارت بينهما هذه المحاورة :-
المنصور : لقد بلغ أمير المؤمنين عنك شيء لولا مكانك عنده ورأيه فيك لغضب عليك !!
معن : وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟
المنصور : إعطاؤك / مروان بن أبي حفصة ألف دينار لقوله فيك :-
معن بن زائدة الذي زيدت به
= شرفا إلي شرف بنو شيبان
إن عد أيام الفعال فإنما
= يوماه يوم ندي ويوم طعان
معن : والله يا أمير المؤمنين ما أعطيته ما بلغك لهذا الشعر وإنما أعطيته لقوله :-
ما زلت يوم الهاشمية معلنا
= بالسبت دون خليفة الرحمن
فمنعت حوزته وكنت وفاءه
= من وقع كل مهند وسنان
المنصور ( وقد غلبه الحياء ) إذن إنما أعطيته ما أعطيته لهذا القول !!
معن : نعم يا أمير المؤمنين، والله لولا مخافة الشنعة عندك لأمكنته من مفاتيح بيوت الأموال وأبحته إياها .
المنصور : لله درك من أعرابي، ما أهون عليك ما يعز على الرجال وأهل الحرم !! وتلك صورة مشرفة جميلة لرجال عرفوا معني الرجولة في المواقف الصعبة، وعرفوا معني الوفاء عند الوفاء، وعرفوا أن لكل مقام مقال .
وقد دخل رجل من بني شيبان على / معن بن زائدة، فقال : ما هذه الغَيبة ؟ فقال : أيها الأمير، ما غاب عن العين من يذكره القلب، وما زال شوقي إلى الأمير شديدا وهو ما يجبُ له، وذِكري له كثيرا، وهو دون قدره، ولكن جفوة الحجّاب ( الحراس )، وقلة بشر الغلمان، منعاني من الإتيان !! فأمر بتسهيل إذنه وأجزل صلته ومن بني شيبان المشهورون بالجود والكرم والحلم / معن بن زائدة و / يزيد بن مزيد و / خالد بن يزيد وغيرهم . منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|