من منهجية دراسة علم الأنساب
كُتب : [ 01 - 03 - 2008 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
من منهجية دراسة علم الأنساب :-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأزكى المرسلين أما بعد : فمن المواضيع المهمة والمبهمة في الوقت ذاته، موضوع علم النسب، فرغم أهميته التي أكد عليها القرآن بنصه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا إن الإشكالات والمآخذ المتشعبة التي يتعرض لها من يخوض غمار هذا العلم، سائلا كان أم طالبا، عالما أو متعلما، صادقا أم مدعيا، تدعونا إلى مراجعة أسس تطبيقات هذا العلم على أرض الواقع، لمعالجة تلك الإشكالات ولسنا هنا بصدد ماهية علم النسب أو أهميته، فقد كتب في ذلك عباقرة هذا الفن الشريف ما يجعلنا نخجل من محاولة تقليدهم من إتقان وجمع ومنع وإجمال، بل مناقشه منهجية دراسة هذا العلم قد لا يختلف إثنان في فضل المنهجية والتنظيم على أي مجال في بناء أسس قوية لا تسمح بأي ثغرات أن تخترق هذا البناء، وقد تكون أهمية المنهجية في الدراسة والبحث هي العمود وجسم البناء في الوقت ذاته، فالقوى المؤثرة على بناء البحث والمضادة له ليست معلومة بأي اتجاه تأتي أو بأي كم تؤثر فمقياس تأهيل الشخص للخوض في البحث لا تشفع له المصادر مهما كثر عددها، ما لم ينتهل منها بشكل صحيح منطقي، ليورد المعلومة المطلوبة في مكان احتياج البحث إليها، لا أن يفتح سيل المعلومات والروايات دون ترابط؛ عشوائيا، وقد تكون الكلمة ( العشوائية ) هي الضد المناسب لكلمة ( المنهجية ) ولكي لا أطيل في موضوع ليس محورنا، فمحورنا هو عن منهجية دراسة الأنساب، ومعلوم ما للدراسة والتدريب من تأثير على منطق الباحث وعلى أسس أفكاره فمن غير الممكن أن يخرج الطبيب إلى مضمار عمله دون فترة تدريب طولها يطيل من سني خبرته، وقصرها يزيد من إرباكه ووقوعه في الخطأ، كذا هو حال علم الأنساب، فمسألة التقاط بعض المعلومات والأخبار عشوائيا وسردها في أي محفل دون منهجيه، هو بلا شك دليل على قلة خبرة ساردها، ولا يأمنن صاحبها أن يُسأل عن معلومة بسيطة لم يسعفه الحظ بمعرفتها رغم أنها قد تكون من أبجديات علم النسب، كأن يُسأل عن أول من أفرد النسب بالتدوين ؟ فيحار جواباً ولا يجد منفذا من هذا السؤال الأولي ومن خلال تتبعي البسيط لبعض الباحثين، علمت أن المنهجية في البحث قد تعريها منهجية الدراسة، فقواعد بسيطة قد تفند إدعاء عظيما لأسرة أو بيت من البيوتات دون أن يحسبوا لها حسابا، وشواهدنا كثيرة لا يسعها مجرى المقالة ومن هذا فقد التمست من الباحث أن يريني بعض المناهج وطريقة دراستها وسبل إتمامها على سبيل المعرفة ومحاولة الإلمام، وهي محاولة شبه مستحيلة، فالمنهج الذي على طالب علم النسب أن يسلكه هو ليس - كما يظن بعض الأخوة - قراءة كتب الأنساب المطبوعة والموجودة في المكتبات أو قراءة كل ما يتعلق بالنسب وكل ما يقع في اليد منها فحسب، بل عليه دراسة العلوم المرتبطة بهذا العلم وهي فروع كثيرة لا يحتمل أن تؤخذ منها رؤوس أقلام أو تمرر مرور الكرام، وإنما أن تُقرأ وتهضم بشكل علمي وعملي، على قدر ارتباط تلك العلوم بعلم الأنساب ومن أول هذه العلوم هو القرآن الكريم، إذ يجب الإلمام بوجهات نظر الشارع جل وعلا في مسألة النسب والإنتساب، كذلك دراسة عامة لبعض التفاسير المعتبرة للوقوف على تفسير أحوال الإدعاء والميراث والوصية والرضاعة والحرمات وغيرها كثير مما له ربط وثيق مع علم النسب ومما يستدعي التأمل أيضا رأي الفقهاء المجتهدين في هذا وذاك من المسائل المتعلقة بالأنساب، لذا لا بد من الإطلاع على رسائلهم والإستعانة بها هذا بالإضافة إلى التوقف مع اللغة العربية والنحو، فهي لغة التدوين، ومن هنا جاءت أهمية الإحاطة بالقواعد والنحو والصرف والمعاني، لتفسير ما عسر من نصوص لغوية وألفاظ وتعابير وبما أن علم الأنساب هو علم تاريخ ورواية وسير، فلا بد من دراسة التاريخ الإقليمي والجغرافي للمنطقة العربية والإسلامية عموما فحدود البلدان لم تك كما هي الآن، والأسماء القديمة لأغلب المدن والأمصار صحفت إلى أسماء أخرى، كذلك لا بد من نظرة عامة للحوادث التي مرت على هذه البلدان والشخوص المؤثرين في تاريخ هذه الحقبة أو تلك لترابط هذه الأحداث بالتدوين التاريخي كذلك علم الرواية والرواة، ففي علم الحديث " أن العلم بأحوال الرواة وأرباب السير من أساس الأحكام الشرعية وعليه تبنى القواعد السمعية "، فاعتماد المعلومة المنقولة يكون أساسا على روايتها، وصحتها متعلقة بكون راويها ثقة من عدمه ولا غنى لمن أراد تعلم الأنساب؛ عن دراسة علم الرجال والتراجم، إذ يكاد علم الرجال أن يكون أقرب العلوم من علم الأنساب، فنحن نرى أن معظم النسابين لهم باع في علم الرجال، كما إن من علماء الرجال من لهم معرفة بأنساب الناس، للتماس بين العلمين، إلا إن لكل امرئ ما يجيده ويبرع فيه دون غيره ولا يمكن الخوض في غمار علم دون معرفة من حذق به وأحاط بمكنوناته من الأولين والآخرين، لذا فلا بد من دراسة شاملة لتراجم النسابين وكل من كتب في هذا الفن مبسوطا وتشجيرا، للوقوف على مصنفاتهم وما أحصوه من أنساب، وهذا ما تسعفنا به كتب الطبقات ومن بعد ذلك كله نتوجه إلى متن علم الأنساب الذي يتمثل بمجموعة من كبريات كتب الأنساب المعتبرة، والمتفق على كونها مناهج صالحة بسمعة أصحابها ونزاهتهم عن الغلو والمجاملة والتحريف، ومن أهم خواص هذه الكتب؛ أنها تجمع بين قواعد علم النسب وبين التدوين، ويمكن اعتبارها - نسبيا - بأنها قاموس علم الأنساب الذي لا غنى عنه وصولا إلى المدونات الخطية والمصنفات التي صنفت في القرون الماضية وهذه المدونات هي المنجد في إثبات صحة الإنتساب خاصة لاّل البيت، وتعتبر حلقة الوصل بين النسب المدون قديما في كتب المتن وبين إدعاء الشخص للنسب، ورغم عدم الإحاطة بأنساب أل محمد صلى الله عليه وسلم لكثرة عددهم وشعبهم وتراميهم في البلدان، إلا أن هذه المدونات هي المحدد الأهم لإجابة الإدعاء وهي القول الفصل في رأي النسابة، لذلك فإنها تأخذ النصيب الأوفر في الدراسة الكمية للأنساب من خلال رفد طالب علم الأنساب بمسميات نهايات الفروع المتأخرة؛ أو ما يصطلح عليها بالألقاب المتأخرة ولا ننسى أن بالإضافة إلى تطوير علمية الشخص بهذه المناهج الدراسية فلا بد له من تطوير قدرتين أساسيتين يحتاجها من أراد الولوج إلى علم الأنساب، الأولى هي قدرة الحفظ ويتم تطويرها بحفظ بعض السور الطوال من القرآن الكريم، والثانية هي ملكة الخط العربي؛ وهذه تطور بالتمرين بالاستعانة بكراسات الخط العربي وطرق الخط وأنواعه هذا بالنسبة للمشجرات ويختلف التدرج في تلك المناهج قياسا بالإبكار في طلب هذا العلم، والقدرة على الإستيعاب وغير ذلك من المؤثرات ولعل من المؤثرات الغائبة عن عيون البعض هو طريقة تناول هذه المناهج، فليس كل ما يقرأ يقال، وليس كل المصادر تقرأ مثل بعضها، فلبعضها طرق عجيبة، فمنها ما يقرأ من الغلاف إلى الغلاف، ومنها ما يحفظ ومنها ما يستلزم أن ينقل كتابه لآتقان سبيل سرده، ومنها ما يقرأ للإطلاع لا غير، ومنها ما يستعان به عند الحاجة فقط، الخ .. من عجائب طرائق الدراسة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الطرق ليست ثابتة أو واجبة، بل هي مجرد طرق مبتكرة، يبتكرها الشخص ويطورها كيفما رأى الفائدة تأتي . منقول بتصرف يسير مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
|