رد: يا شباب لاتنسون نصيبكم
كُتب : [ 07 - 09 - 2009 ]
إن الزهد بالدنيا ، لا يعني العجز ، ولا يعني التواكل ، ولا يعني كل المحاولات القائمة على تشويهه اليوم ، وصبغه بصبغة التخلف أو التقهقر أو الكسل . إنما هو الارتقاء بالهمة والعزيمة لما هو أعظم وأبقى ، وتصديق بالقلب ، واللسان ، والعمل لوعد الله الذي أخبر به رسله ..
وهذا المفهوم في السعي لما عند الله عز وجل ، ونبذ الدنيا ، والاغترار بها ، أو الانشغال بما فيها ، هذا المفهوم ، على ما يعتريه الآن من محاولات للتشويه ، وللتغريب ، والتمييع ، ليس بالأمر الجديد ، وليس بالأمر السهل أيضا ، والله عز وجل ذكر هذا المفهوم في مواضع لا حصر لها في القرآن الكريم ، مؤكدا عليه ، محذرا من خطورته ، ناسفا لأي شبهة قد تختلط على الناس حياله ، فيضع التقرير الحاسم في أكثر من آية :
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
وقال ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
وقال ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
وقال ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا )
وقال ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ)
وقال ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )
وقال ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ )
وقال ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) وقال ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )
وقال تعالى ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) أما رسولنا الأمين - صلى الله عليه وسلم - فلم يرعوي لحظة أن يحذرنا من الدنيا ، والاغترار بها ، والوقوع في شراكها ، والالتهاء بتوافهها ، بل إن حظه منها صلى الله عليه وسلم كان أقل القليل ، رغبة منه أن نهتدي بهديه ، ونستن بسنته. فلا توقد النار في بيته بالأشهر ، ولا تتجاوز مساحة غرفه مجتمعة أحد مجالس الضيوف لمنازلنا ، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، ويتصدق بما بين الجبلين من الأنعام !! وحين وافته المنية لم يكن في داره إلا دراهم معدودة ، أمر أن يتصدق بها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم .
هذا الهدي العظيم ، والواضح في الوقت نفسه ، والذي سنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في التعاطي مع الدنيا ، نراه يتكرر وبشكل حاسم جازم في أكثر من موضع ومشهد وحادثة نبوية في السنة المطهرة الشريفة :
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
اضطجع رسول الله على حصير ، فأثر في جنبه ، فلما استيقظ ؛ جعلت أمسح جنبه ،فقلت : يا رسول الله ! ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي وللدنيا ؟! ما أنا والدنيا ؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها ) . سلسلة الاحاديث الصحيحة للالباني يرحمه الله,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مالي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ في ظل شجرة ، في يوم صائف ، ثم راح وتركها )) [رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح]
وقال صلى الله عليه وسلم (( إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب)
وقال صلى الله عليه وسلم كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم (( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع )) [رواه مسلم]
وقال صلى الله عليه وسلم (( لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء )) [رواه الترمذي ].
وقال صلى الله عليه وسلم (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) [رواه مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم ((موضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها )
وقال صلى الله عليه وسلم (( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا و ما فيها و لقاب قوس أحدكم أو موضع قده في الجنة خير من الدنيا و ما فيها و لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا و لأضاءت ما بينهما و لنصيفها على رأسها خير من الدنيا و ما فيها )
وقال صلى الله عليه وسلم (( ازهد في الدنيا يحبك الله و ازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس )
عن جابر – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بالسوق والناس كنفتيه ( أي جانبيه ) ، فمر بجدي أسك ميت ، فتناوله فاخذ بأذنه، فقال: "أيكم يحب أن هذا له بدرهم" فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به ؟ قال: " أتحبون أنه لكم" قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه أنه أسكّ فكيف وهو ميت؟ فقال:"والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" رواه مسلم (18/93)
وقال صلى الله عليه وسلم ((أما ترضى أن تكون لهم الدنيا و لنا الآخرة )وسأتوقف عند هذا الحد من الشواهد والاستدلالات ، ، مع التأكيد أن الجيل الذي تربى على يد محمد صلى الله عليه وسلم ، هم من نزل في حقهم وفي حق الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ( و لا تنسى نصيبك من الدنيا ) لأن هؤلاء ، كادوا أن ينسوا الدنيا تماما بانشغالهم بالآخرة ، أما نحن ، في هذا العصر الراهن ، أرجو ألا يستدل أحد بهذه الآية فيما يتعلق بأمرنا ، لأننا حقيقة ، في أمس الحاجة لما يذكرنا بالآخرة ، وليس مايزيدنا تعلقا بالدنيا ، واللهث ورائها .
ودمتم,,,,
|