س / ما هو السبب من وجهة نظر ابوعبدالله في قلة البحوث الجغرافية عن وديان سبيع ؟
ج/ لاشك أن قلة المصادر المدونة هي من أولى الإشكالات التي تواجه الباحث في بحثه. وأما الأخبار المتناقله بين عامة الناس قد لا يعول عليها كثيراً لما فيها من الزيادة والنقص ، واحياناً المبالغة أو التعصب فيما لا استدلال له من الواقع الحقيقي.
ولهذا فالباحث المنصف لا غاية له سوى الوصول إلى الحقيقة خاصة إذا كان مايقوله مستقى من مؤلفات معروفة وليس فيها مايمس من قريب أو بعيد .
س/ ابوعبدالله نقل المستشرقون الذين تنقلوا في الجزيرة العربية الكثير من تاريخها , إلا أن من مر بوديان سبيع ونقل من تاريخها قلة جدا فماهو السبب من وجهة نظرك ؟
ج / هذا صحيح ولكن منهم من ذكر ما يفيد المتابع كالعميد "روس " الذي يعمل في إدارة الخليج سنة 1879م حيث ذكر سبيع وذكر عدد المستقرين 16الفاً وتحدث عن الآخرين ، وكذلك فليكس مانجان المهندس السابق في جيش نابليون بونابرت في كتابه المسمى " تاريخ مصر " والذي أفرد فيه ملحقاً خاصاً أسماه تاريخ الوهابيين ، وفيه وضع جدولاً بأسماء رؤساء المقاتلين من البدو ـ ومنهم قبيلة سبيع القبلة ( اهل الوديان ) وكذلك سبيع أهل العارض ـ وقد سمى رؤسائهم وذكر عدد جنودهم وفرسانهم .... الخ .
وكذلك هاري سانت جون فلبي ـ عبدالله فلبي ـ زار رنيه أكثر من مره وفي إحداها مكث خمسة أيام تجول في مواضع رنيه وكتب عنها في مؤلفاته ـ مثل كتابه " قلب الجزيره العربية " في جزئيه الأول والثاني وكذلك في كتابه " بنات سبأ ـ رحله في جنوب الجزيره العربية " ، وكذلك الشاب الفرنسي { تاميزيه } الذي رافق الحمله المصرية على بلاد عسير في عام 1249هـ / 1839م ـ ترجمة وتعليق الدكتور / محمد عبدالله آل زلفه ـ حيث ذكر هذا الشاب " وادي رنيه " وشاهد نخيله وذكر نشاط سكانه من قبيلة سبيع وما يتمتعون به من مكانة بين القبائل ، وكذلك تحدث عن ثرواته الزراعية والحيوانية .... الخ .
وهذا شيئ جيد من هؤلاء .
س / ابوعبــــدالله ما هو سبب نزول سبيع الحدرية من وديان سبيع وهل كان ذلك في فترة واحدة أو فترات متعددة وهل كانت متقاربة أم متباعدة ؟
ج / هذا السؤال يكمن جوابه في كتابنا [ ( محافظة رنيه ) ط 1 ـ مطبعة سفير بالرياض ـ عام 1427هـ ] ولكن الأهم هو السؤال عن قبيلتها (( الأم )) ذات الصولات والجولات في عالية نجد وجنوبه منذ العهد الجاهلي وصدر الإسلام ، وكيف تضاءلت قوة بقاياها لدى مختلف الكيانات التي دخلت بلادها بعد خروج الكثير من اسلافها (( بنو عامر )) تلك القبيلة التي وصفتها بعض المصادر أنها شعب ، وقال عنها علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله : [ بنو عامر هؤلاء ـ قبيلة كانت أبرز القبائل الهوازنية ( عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) ، وكانت من أثرى القبائل عدداً وأكثرها فروعاً وأوسعها بلاداً وأشدها قوة .
قال : فمن فروعها بنو كلاب الذين كانت بلادهم تشمل عالية نجد وفيها حمى ضرية ، وتمتد جنوباً حتى أعالي وادي الدواسر ( عقيق بني عقيل قديماً ) ومن بني عامر بنو هلال الذين لهم شهرة لم تقف عند حد المهتمين بدراسة انساب القبائل بل شملت عامة الناس في مختلف العصور ونسج حول أخبارها من القصص والأخبار مابقي متناقلاً إلى عصرنا ... ومن بني عامر بنو عقيل الذين عرف بهم ( عقيق بني عقيل ) بعد أن كان يدعى ( عقيق جرم ) .. ومن بني عامر أيضاً بنو قشير وإخوتهم جعده والحريش ، وكانت بلادهم مع أخوتهم منتشرة في بلاد الأفلاج وما حولها غرباً حتى تتصل ببلاد أخوتهم من بني عامر ـ الحريش والعجلان وبني عقيل وبني نمير ـ .. وكانت بلاد بني عامر تمتد من سفوح الجبال الشرقية الجنوبية بإمتداد الأودية المنحدرة منها ، كوادي أبيده ( بيده ) وهو وادي تربة ، ووادي رنيه ، ووادي بيشه ، ووادي الدواسر [ عقيق بني عقيل ] منساحة في عالية نجد ، ممتدة شرقاً حتى تشمل الجانب الجنوبي من جبل عارض اليمامة [ طويق ] ، ثم بطون من بني تميم متحضرة في الوشم حتى السر غرباً ، حيث تتسع بلاد بني عامر فتشمل حمى ضرية سوى جانبه الشمالي من بلاد غطفان الممتدة حتى سفوح حرار المدينة ، وتتاخم بلاد بني عامر غرباً بلاد بني سليم الممتدة من ( حمى الربذه ) غرباً فالدفينه حتى الحرة المعروفة بهم ( حرة رهاط ) الآن ، فما أمتد جنوباً فهو من بلاد بني عامر حتى وادي تثليث وفراعه من البلاد وما رفد وادي بيشة من أودية السراة ـ كوادي ترج وما حوله ـ حيث البلاد التي ينتشر فيها القحطانيون ، والتي تحاد بني عامر من الجنوب ، بإمتداد حوض وادي بيشة حتى رمل الجزء مايعرف الآن بأسم ـ المندفن ـ ، حيث يختفي طرف عارض اليمامة في رمال الربع الخالي ..
وخلص إلى القول : ولكن هذه القبيلة التي كانت لها تلك الصفه ، من حيث الكثرة ، وتعدد الفروع ، وسعة البلاد ، وكانت لها السيطرة على جنوب بلاد نجد في العهد الجاهلي وصدر الإسلام ـ حيث كانت تتصدى لمصاولة من يليها من القبائل القحطانية ، وكثيراً ما أنتصرت عليهم في مواقع مشهورة مذكورة في أيام العرب ـ أوشكت الآن أن تكون غير معروفة بأسمها القديم ، إذ لا نجد من ينتسب إليها في عهدنا الحاضر سوى قبيلة سبيع ، التي لا تزال باقية في أعلى بلادها الغربية في رنيه وما حولها من منازل قبيلتها في العهود القديمة ، أما الفروع الأخرى فقد أنظمت إلى القبائل الأخرى .. ولا شك أن فروعاً كثيرة من بني عامر أنظموا إلى قبيلة الدواسر في العهود الأخيرة ـ هذه القبيلة التي سيطرت على كثير من بلاد بني عامر ـ كما أن فروعاً أخرى دخلت في مسمى ( عتيبة ) المنتشرة الآن في بلاد بني كلاب ، وبني نمير .. [ أنظر مجلة العرب : س 22 ص 266 ، 267 ، ومجلة العرب : س 7 ، ص 515 ، ومجلة العرب : س 8 ، ص 29 ، ص 109 ، ومجلة العرب : س 24 ، ص 433 ] .
وفي موضع آخر تحدث الشيخ / حمد الجاسر ، عن بلاد بني عامر في مناسبة أخرى ـ فخلص أيضاًًَ إلى القول : ومن بقايا هذه القبيلة ـ أي بني عامر ـ قبيلة سبيع التي لا يزال كثير من فروعها يحل منازل قبيلته الأم ، فيما يعرف بأسم (وديان سبيع ) ، ولا شك أن من فروعها من أنساح في جوانب الجزيرة العربية الأخرى . أ هـ [ أنظر مجلة العرب : س 18 ، ص 549 ] .
ويعلم المتابع أن بلاد بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ـ هي من بلاد إخوتهم الآخرين تقع في الجنوب مما يلي اليمن ، في أودية رنية وبيشه ، واسافل تثليث ، وعقيق عقيل ( وادي الدواسر الآن ) ، ومن بني عقيل من يشارك أخوته ( قشير ، وجعدة ، والحريش ، والعجلان ) سكنى بلاد الأفلاج .
ومن بلادهم على الساحة المذكورة ، وفدت وفودهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسلموا ومنح النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم إقطاعات من بلادهم تلك . ولما كانت الفتوحات الإسلامية شاركوا فيها كالقبائل الأخرى مشاركة كان من أثرها إستيطان بعضهم في الأمصار المفتوحة ، كالعراق والشام وبلاد فارس وغيرها ، ثم بدأت هجراتهم بالخروج من بلادهم المذكورة ، وخاصة منذ القرن الثالث الهجري على رأي رنز [ أنظر الأصفهاني ( بلاد العرب ) ج 3 ص 11 ، ومجلة العرب س 15 ص 72 ] ـ متموجة داخل الجزيرة العربية وشرقها ( بلاد البحرين ـ وشمالها ) فتضاءلت بقاياها وقلت أعدادهم في بلادهم الأصلية ... ثم تلقت بلادهم موجات من الهجرات قذفت بها جنوب الجزيرة ، قادمة من اليمن ـ فما كان من تلك البقايا الكعبية إلا محالفة القبائل التي دخلت بلادها والتي تنتمي إلى الجذم القحطاني كالدواسر وقحطان .. ولهذا فمن الصعب فصل الأفخاذ الباقية من فروع بني كعب ، بما فيهم قشير ، من هذه الحديثه ، وإن كنا نجد بعض هذه الأفخاذ لا يزال محتفظاً بأسمة القديم [ أنظر : نظرات في الأدب والتاريخ والأنساب ص 102 ، 113 ] ، ومقيماً في بلاده الأصلية ، وإن كان معدوداً الآن من حيث النسب في قبائل قحطان الذين منهم فروع الدواسر التي قدمت في عهد قريب لا يتجاوز القرنين [ أنظر : مع الشعراء ، للشيخ / حمد الجاسر رحمه الله ، ص 67 ] .. حلت غرب بلاد قشير وفي بيشة لا يزال بعض بقايل عقيل بن كعب هناك ( معاوية ) [ أنظر : مجلة العرب : س 31 ص 381 ، وص 540 ، ومجلة العرب : س 32 ص 117 ]
و ( المزائده ) (1 ) الذين يعتقد أنهم من بني خفاجة ـ وإن كانت هذه البقايا الآن من عقيل معدودة لأكلب من خثعم بالحلف ـ ذكر حامد بن فايز البيشي في [ مجلة العرب س 35 ص 98 ] ، : ( معاوية ) وفروعها في عهدنا ـ وقال : وشيخهم جلوي بن حسين الأزهر ، ثم ذكر بعدها كل من قبيلتي بني جهم ، وآل مهدي ، وسمى شيوخهم ـ ولكنه قال بعد ذلك : وشيخ هذه القبائل الآن هو الشيخ / جلوي بن حسين الأزهر ـ أ هـ .
قلت : وآل الأزهر هؤلاء ـ أهل سيادة وقيادة وذكر قديم ـ فمعاوية بن خفاجة ويدعى ـ الأغر ـ ومالك بن خفاجة يدعى ـ الأزهر ـ ، فأرادوا أن يتوجوا معاوية فحسده مالك وقال : [ نحن سوقتان ولسنا ملكين ] ـ منهم الحزنان ـ حزن بن خفاجه ، وحزن بن معاوية ، وكان من فرسان بني عامر . وحزن بن معاوية هو قاتل ( مر اليشكري) ، وهو أغار على جعفي بن سعد ، فاصاب فيهم ، وقتل صبرة بن مويلك صاحب الإهالة ( والإهالة : هي ما أُوديت من الشحم وقيل الشحم والزيت ) ، وحزن بن خفاجه الذي بارز الربيع بن زياد العبسي فنكص عنه الربيع ـ منهم الوازعان ـ وازع بن خفاجه ، ووازع بن حيده بن مالك بن خفاجه . وكل هؤلاء فارس ، ومن بني حزن ـ الأشهب بن عبدالله بن كليب بن حزن بن معاوية بن خفاجه ، من رجال أهل البادية ـ
ولحزن بن معاوية بن خفاجه ـ يقول الشاعر من جرم قضاعة :
إلى حزن الحزون سمت ركابي =توائل خلفها نسلات جيش
توسط بيته في آل كعب=كبيت بني المغيرة في قريش
قال : وكان كليب شريفاً وحزناً رئيساً
.
س / ابوعبدالله بحكم اطلاعك على تاريخ قبيلتنا متى كانت بداية نزول قبائل سبيع من عالية نجد ومن أول من نزل ومن آخر من نزل من سبيع من الوديان إلى منطقة العارض أو بطن نجد تحديدا ؟
ج/ يقول البعض كان ذلك في القرن الخامس الهجري ولكني أرى أن تواجد قبائل من سبيع بنجد أو العارض كان أقدم من ذلك ـ لأن قدمهم كان ـ بقدم أسلافهم بتلك النواحي ـ كالنبطه ، والذواوده والجبور والكثير من الأسر والفروع المنتشرة في بلدان نجد والقصيم وغيرها ..
وفي خبر حوادث عام 891 هـ جاء ذكر مليح ، ثم ورد ذكر الاعزه من سبيع بنجد في حوادث سنة 938هـ ، ولكن أخبار قبيلتهم سبيع بنجد وحول الرياض كان أقدم من ذلك .
كما لا أعرف حتى الآن أو أطلع على أي خبر مدون عن هجرة بني عمر ، وبني عامر وهي فروع كبيرة جداً ، وكان ما ذكر عن ذلك هو الحشد من سبيع الذي قدم به ضويحي بن دغيم العماني والذي قدم به من وديان سبيع ، بشأن معركة السبية المعروفة تاريخياً ..
أنظر السنوات الآتية بذكر سبيع في نجد ـ من صفحة 442 جـ 2 من كتاب " القطوف العذاب في الأماكن والأنساب " وكذلك من كتاب " رنيه " ص 117 ، وكذلك " مجلة العرب " س 30 ص 283 وعدم ذكر سبيع في نجد متصلا بالتواريخ الحجازية – لا يعني عدم وجود سبيع في نجد ولكن يرجع لكون التدوين في نجد لم يبدأ تقريبا سوى في القرن التاسع الهجري كالبسام رحمه الله في كتابه تحفة المشتاق فهو الذي تتبع أخبار البادية في هذا القرن فذكر عنزة والدواسر وسبيع والسهول وعائذ والعوازم وغيرهم
ـــــــــــــ
الهوامش/
1 - المزايده اليوم فرع من بني عامر من أكلب من سكان بيشة منذ القدم ، وبنو عامر هؤلاء : هم الذين عناهم الشاعر السبيعي في الماضي من قوله :
[ ترى بني عامر ماهم بعدوان = لو هم عدوان ماطبوا السبيعية ]
طبو : دخلو ... والسبيعية ـ بلاد سبيع وذلك أنهم أنتجعوا بلاد سبيع للرعي ـ وهم مجاورين لبلاد سبيع من الغرب الجنوبي ، ويعتقد أن المزائدة من الأسماء القديمة ـ وهم من بني كليب بن حزن بن معاوية بن خفاجه بن عقيل بن كعب . وعندما ذكر أبن خلدون في تاريخه ص 38 وهو يتحدث عن تفرعات عامر بن صعصعة ـ فذكر انه يتفرع من عامر بطون كثيرة ـ منهم بنو خالد الحجاز من عرب بيشة الذين إنخزل منهم فريق آل حميد ، ولما ذهب في سرد فروع هذا الفريق ـ ذكر منهم آل كليب أمراء المزايده ، ذكرهم ضمن قومهم الخوالد الخفاجيين ـ وفي نجد قد ينسبهم البعض ( أي المزايده ) إلى عائذ ـ وعائذ أيضاً فرع عقيلي معروف ولا غرو أن يدخل من المزائده أناس في مسمى عائذ ، سواءاً في نجد أو في الخرج الذي تحولوا منه إلى بلاد البحرين ( الأحساء ) وأصبحوا من أعيان قومهم العقيليين أهل السلطة في بادية الأحساء والنفوذ في تلك البلاد ـ ذكر أبن فضل الله العمري سنة 732هـ قال : أن بني عامر وفدوا على السلطان قلاوون وأنها كانت الإمارة فيهم ، وعدد زعمائهم في الوفد ، فذكر منهم ـ كليب بن ماجد العامري العقيلي ، وذكره أيضاً أبن حجر العسقلاني بأسم كليبي بن ماجد العامري العقيلي من أمراء البحرين ـ وذكرته المصادر أنه كان شيخاً وقار وإجلال ، وكان يفد على السلطان ، ويأتي بالخيل العربية في سرعة ، وكان السلطان يكرم وفادته ، فيرجع مسروراً . قال وأنشدني لنفسه سنة 732هـ من قصيدة ، ثم ذكر بيتين من الشعر ـ أنظر العسقلاني : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ج 3 ص 267 ـ ومن قال أن بني خالد من عرب الحجاز فإن من القدماء منهم من ذكر بيشة من الحجاز وذكر رنيه من الحجاز ، قال حمد الجاسر رحمة الله : وكثيراً من المتقدمين لا يميزون بين أقاليم الجزيرة العربية ، ولهذا نجد منهم من يعد رنيه من الحجاز [ القبس للبلبيسي مخطوط ، ومجلة العرب س 7 ص 713 ] ، فوادي بيشة ينحدر فيجتمع بوادي رنيه في ماسمي قديماً ( برياض بني عقيل ) أو روضات بني عقيل ( الأغاني ) . وفي عهدنا بأسم الفرشه ، ومتى زادت سيول تلك الأودية على الروضات أو الفرشه فإنها تنحدر على وادي الدواسر ( عقيق عقيل قديماً ) [ أنظر : مجلة العرب س 21 ص 548 ] .