عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
الهضيبي الحريق
عضو مميز
رقم العضوية : 39310
تاريخ التسجيل : 21 - 10 - 2009
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 561 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الهضيبي الحريق is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 20 - 11 - 2009 ]

باب في المصيبة و حقيقتها و ما أعد الله لمسترجعها

قال الله تعالى : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : نعم العدلان و نعمت العلاوة . " أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة " الآية . ذكره البخاري تعليقاً .

و قال تعالى : " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه " . قال علقمة وجماعة من المفسرين : هي المصائب تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيرضى و يسلم و الآيات في هذا الباب كثيرة .

قال أهل اللغة : يقال مصيبة و مصابة و مصوبة . قالوا : وحقيقته الأمر المكروه يحل بالإنسان . و قال القرطبي : المصيبة كل ما يؤذي المؤمن و يصيبه . .

و في صحيح مسلم " من حديث أبي سعيد و أبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما يصيب المؤمن من وصب و لا نصب و لا سقم و لا حزن ، حتى الهم يهمه ، إلا كفر الله به من سيئاته

و الوصب : المرض ـ و النصب : التعب .

و في الصحيحين " عن عروة ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز و جل بها عنه حتى الشوكة يشاكها " .

و قال الإمام أحمد : ، عن أم سلمة ، قالت : أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم قولاً سررت به ، قال : لا تصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول : اللهم اؤجرني في مصيبتي ، و أخلف لي خيراً منها ، إلا فعل ذلك به . قالت أم سلمة : فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت في مصيبتي و قلت : اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منه ـ وفي لفظ : خيراً منها ـ ثم رجعت إلى نفسي و قلت : من أين خير لي من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي ، استأذن علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأنا أدبغ إهاباً لي ، فغسلت يدي من القرظ و أذنت له ، فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف ، فقعد عليها ، فخطبني إلى نفسي ، فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ، ما بي أن لا تكون بك الرغبة ، و لكني امرأة في غيرة شديدة ، فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به ، و أنا امرأة قد دخلت في السن ، و أنا ذات عيال ، فقال : أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز و جل عنك ، و أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل ما أصابك ، و أما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي ، قالت : فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فتزوجها رسول الله " ، فقالت أم سلمة بعد : أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه :

.
فصل ـ في كلمة إنا لله و إنا إليه راجعون

و قد جعل الله كلمات الإسترجاع ـ و هي قول المصاب : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ملجأً و ملاذاً لذوي المصائب ، و عظمةً للممتحنين من الشيطان ، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة ، فيهيج ما سكن ، و يظهر ما كمن ، فإذا لجأ إلى هذه الكلمات الجامعات لمعاني الخير و البركة ، فإن قوله : " إنا لله " توحيد و إقرار بالعبودية و الملك ، و قوله " و إنا إليه راجعون " إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا ، فهو إيمان بالبعث بعد الموت و هو إيمان أيضاً بأن له الحكم في الأولى و له المرجع في الأخرى ، فهو من اليقين ، إن الأمر كله لله فلا ملجأ منه إلا إليه

و روى مسلم في صحيحه من " حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ، اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منها " الحديث

و قد تقدم معنى هذا الحديث من طريق أخرى ، " عن ابن سفينة مولى أم سلمة ، عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ، اللهم اؤجرني في مصيبتي ، و أخلف لي خيراً منها ، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " ، قالت : فلما توفي أبو سلمة ، قلت : من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : ثم عزم لي فقلتها ، فتزوجت رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و المقصود : أن هذا تنبيه على قوله تعالى : " و بشر الصابرين " ، إما بالخلف ، كما أخلف الله تعالى لأم سلمة ، بدل زوجها أبي سلمة ، رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حين تبعت السنة ، و قالت ما أمرت به ممتثلة طائعة إن البر كله والخير فيما قاله الله ورسوله ، و إن الضلال و الشقاء في مخالفة الله و رسوله ، فلما علمت ـ رضي الله عنها ـ أن كل خير في الوجود إما عام و إما خاص ، فهو من جهة الله و رسوله ، و أن كل شر في العالم ، أو كل شر مختص بالعبد ، فسببه مخالفة الله و رسوله ، فلما قالت هذه الكلمات ، حصل لها مرافقة الرسول في الدنيا و الآخرة

و قد يحصل العبد بكلمات الاسترجاع منزلة عالية و ثواباً جزيلاً ، كما في حديث أبي موسى و فيه : فيقول الله تعالى لملائكته : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك و استرجع ، فيقول الله تبارك : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة و سموه بيت الحمد " . و قد تقدم الاسترجاع في المصيبة وأن قائله ، عليه الصلوات من ربه و الرحمة ، و هو من المهتدين . و قول عمر : نعم العدلان و نعمت العلاوة ، وأنه أراد بالعدلين الصلوات ، و الرحمة ، و بالعلاوة الهداية ، و الله أعلم . و قيل : المراد استحقاق الثواب ، و تسهيل المصاب ، و تخفيف الحزن ، " أولئك عليهم صلوات من ربهم " ، فالصلاة من الله الرحمة ، و من الملائكة الاستغفار ، و من الآدمي التضرع و الدعاء . و قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، و صلاة الملائكة الدعاء . و ظاهر الآيه ـ و الله أعلم ـ أن الصلاة من الله غير الرحمة ، فإنه تعالى عطف الرحمة على الصلاة فعلم التغاير


فصل ـ و من أعظم المصائب المصيبة في الدين
و من أعظم المصائب : المصيبة في الدين ، فهي من أعظم مصائب الدنيا و الآخرة ، و هي نهاية الخسران الذي لا ربح معه ،و الحرمان الذي لا طمع معه

وقد حكى ابن أبي الدنيا عن شريح أنه قال : إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات و أشكره ، إذ لم تكن أعظم مما هي ، و إذ رزقني الصبر عليها ، و إذ وفقني الاسترجاع لما أرجوه فيه من الثواب ، وإذ لم يجعلها في ديني .

و من أعظم المصائب في ا لدين ، موت النبي صلى الله عليه و سلم ، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم ، لأن بموته صلى الله عليه و سلم انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة ، و انقطعة النبوات ، و كان موته أول ظهور الشر و الفساد ، بارتداد العرب عن الدين ، فهو أول انقطاع عرى الدين و نقصانه ، و فيها غاية التسلية عن كل مصيبة تصيب العبد ، قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى أنكرنا قلوبنا . رواه ابن ماجه

روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده ، " من حديث عطاء بن أبي رباح مرسلاً ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي ، فإنها من أعظم المصائب " .

و لقد أحسن أبو العتاهيه في نظمه موافقاً لهذا الحديث ، حيث يقول

اصبر لكل مصيبة و تجلد و اعلم بأن المرء غير مخلد

أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد

من لم يصب ممن ترى بمصيبة هذا سبيل لست عنه بأوحد

فإذا ذكرت محمداً و مصابه فاجعل مصابك بالنبي محمد
وفي رواية :
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد .

و المقصود أن المصائب تتفاوت ، فأعظمها المصيبة في الدين ـ نعوذ بالله من ذلك ـ هي أعظم من كل مصيبة يصاب بها الإنسان ، يؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض الآثار ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " المسلوب من سلب دينه ، والمحروم من حرم الأجر " . ثم بعد مصيبة الدين المصيبة في النفس ، ثم في المال ، أما المال فيخلفه الله تعالى و هو فداء الأنفس ، و النفس فداء الدين ، و الدين لا فداء له . قال تعالى : " ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير


فصل ـ في أن يوطن الإنسان نفسه على توقع المصائب و أنها بقضاء الله و قدره
و مما يسلي المصاب : أن يوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله و أنها بقضائه و قدره ، و أنه سبحانه و تعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بها و لا ليعذبه ، و إنما ابتلاه ليمتحن صبره و رضاه ، و شكواه إ ليه و ابتهاله و دعاءه ، فإن وفق لذلك كان أمر الله قدراً مقدوراً ، و إن حرم ذلك كان ذلك خسراناً مبيناً .

قال أبوالفرج بن الجوزي : علاج المصائب بسبعة أشياء :

الأول ـ أن يعلم بأن الدنيا دار ابتلاء ، و الكرب لا يرجى منه راحة

الثالث ـ أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة

الرابع ـ النظر في حال من ابتلي بمثل هذا البلاء ، فإن التأسي راحة عظيمة

قالت الخنساء :

و لولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي و لكن أعزي النفس عنه بالتأسي

الخامس ـ النظر في حال من ابتلي أكثر من هذا البلاء فيهون عليه هذا

السادس ـ رجاء الخلف ، إن كان من مضى يصح عنه الخلف كالولد و الزوجة

قيل للقمان عليه السلام : ماتت زوجتك ؟ قال : تجدد فراشي

قال الشاعر

السابع ـ طلب الأجر بالصبر في فضائله و ثواب الصابرين و سرورهم في صبرهم ، فإن ترقى إلى مقام الرضى فهو الغاية .

الثامن ـ أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له

التاسع ـ أن تعلم أن تشديد البلاء يخص الأخيار

العاشر ـ أن يعلم أنه مملوك و ليس للمملوك في نفسه شيء

الحادي عشر ـ أن هذا الواقع وقع برضى المالك ، فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد

الثاني عشر ـ معاتبة النفس عند الجزع مما لابد منه ، فما وجه الجزع مما لابد منه ؟

الثالث عشر ـ إنما هي ساعة فكأن لم تكن


فصل ـ في أن المصائب و المحن دواء للكبر و العجب
و ليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا و مصائبها ، لأصاب العبد من أدواء الكبر و العجب و الفرعنة و قسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً و آجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين ، أن يتفقده في الأحيان ، بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ، و حفظاً لصحة عبوديته ، و استفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة ، فسبحان من يرحم ببلائه، و يبتلي بنعمائه . كما قيل

قد ينعم الله بالبلوى، و إن عظمت

و يبتلي الله بعض القوم بالنعم

فلولا أنه سبحانه و تعالى يداوي عباده بأدوية المحن و الابتلاء ، لطغوا و بغوا و عتوا و تجبروا في الأرض ، و عاثوا فيها بالفساد ، فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر و نهي ، و صحة و فراغ ، و كلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها ، تمردت و سعت في الأرض فساداً مع علمهم بما فعل بمن قبلهم ، فكيف لو حصل لهم مع ذلك إهمال ؟ ! و لكن الله سبحانه و تعالى ، إذا أراد بعبده خيراً ، سقاه دواءً من الابتلاء و الامتحان على قدر حاله ، و يستفرغ منه الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه و نقاه و صفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا و هي عبوديته ، و رقاه أرفع ثواب الآخرة و هي رؤيته




فصل ـ في أن الأفضل إبدال الشكوى و الأنين بذكر الله تعالى

ينبغي للمصاب بنفسه ، أو بولده ، أو بغيرهما ، أن يجعل في المرض مكان الأنين ذكره الله تعالى ، و الاستغفار و التعبد ، فإن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يكرهون الشكوى إلى الخلق ، و هي و إن كان فيها راحة ، إلا أنها تدل على ضعف و خور ، و الصبر عنها دليل قوة و عز ، و هي إشاعة سر الله تعالى عند العبد ، و هي تأثر شماتة الأعداء و رحمة الأصدقاء .

و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو ، قال : دخلنا على ورقاء بن عمر و هو في الموت ، فجعل يهلل و يكبر و يذكر الله عز و جل ، و جعل الناس يدخلون عليه و يسلمون عليه ، فيرد عليهم السلام ، فلما كثروا عليه ، أقبل على ابنه فقال : يا بني ، اكفني رد السلام على هؤلاء ، لا يشغلوني عن ذكر ربي عز و جل .

و عن أبي محمد الحريري ، قال : حضرت عند الجنيد ، قبل وفاته بساعتين ، فلم يزل تالياً و ساجداً ، فقلت له : يا أبا القاسم ، قد بلغ ما أرى من الجهد ، فقال : يا أبا محمد ، أحوج ما كنت إليه هذه الساعة ، فلم يزل كذلك حتى فارق الدنيا .

و قد روي في حديث ، أن إبليس لا يكون في حال أشد منه على ابن آدم عند الموت ، يقول لأعوانه : دونكموه ، فإنه إن فاتكم اليوم ، لم تلحقوه .

و اعلم ـ رحمك الله ـ أن الأعمال بخواتيمها ، فإنه ربما أضله في اعتقاده ، و ربما حيل بينه و بين التوبة ، و غير ذلك مما هو محتاج إليه ، و ربما وقع منه الاعتراض على القضاء و القدر ، فينبغي للمصاب بنفسه أو بغيره ، أن يعلم أو يعلم بغيره ، أنها صبر ساعة ، فيتجلد و يحارب العدو جهد طاقته ، فبصدقه تحصل له عليه الإعانة من الله ، و يعلم أيضاً ، أن التشديد عليه أو على غيره في النزع ، هو في الغالب من كرامة العبد على الله عز و جل ، فإن أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل و الأمثل ،.

و عن ثابت ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على شاب و هو في النزع ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : أرجو الله و أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرضى أو أمنه مما يخاف

و في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشده

و في قصة يونس عليه السلام لما تقدم له عمل صالح . قال : " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " ، ولما لم يكن لفرعون عمل خير قط ، لم يجد وقت الشدة متعلقاً ، فقيل له : " آلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين " ، فمن ضيع الله في صحته فإنه يضيع في مرضه ، و الله أعلم


فصل ـ في أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها
و ليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها ، و هو في الحقيقة يزيد في مصيبته ، بل يعلم المصاب أن الجزع يشمت عدوه ، و يسوء صديقه ، و يغضب ربه ، و يسر شيطانه ، و يحبط أجره ، و يضعف نفسه . و إذا صبر و احتسب أخزى شيطانه ، و أرضى ربه ، و سر صديقه ، و ساء عدوه ، و حمل عن إخوانه و عزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات في الأمر الديني ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر " .

فهذا هو الكمال الأعظم ، لا لطم الخدود و شق الجيوب ، و الدعاء بالويل و الثبور ، و التسخط على المقدور .

قال بعض الحكماء : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، و من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم ، يريد بذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " .

و قال الأشعث بن قيس : إنك إن صبرت إيماناً و احتساباً ، و إلا سلوت كما تسلو البهائم .

بل يعلم المصاب أن ما يعقبه الصبر و الاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه و استرجاعه على مصيبته ، فلينظر أي المصيبتين أعظم ، مصيبته العاجلة بفوات محبوبه ، أو مصيبته بفات بيت الحمد في جنة الخلد ؟

و في الترمذي مرفوعاً : يود ناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء

قال يحيى بن معاذ ابن آدم ، مالك تأسف على مفقود لايرده عليك الفوت ؟ مالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟

وكانت امرأة من العابدات بالبصرة ، تصاب بالمصائب فلا تجزع ، فذكروا لها ذلك ، فقالت : ما أصاب بمصيبة فأذكر معها النار ، إلا صارت في عيني أصغر من الذباب

فصل ـ في أن من سلم أمره في مصيبته و احتسب لله عوضه خيراً منها

و مما يسلي أهل المصائب : أن المصاب إذا صبر و احتسب ، و ركن إلى كريم ، رجاء أن يخلف الله تعالى عليه ، و يعوضه عن مصابه ، فإن الله تعالى لا يخيبه بل يعوضه ، فإنه من كل شيء عوض إلا الله تعالى فما عوض ، كما قيل :

من كل شيء إذا ضيعته عوض

و ما من الله إن ضيعته عوض

بل يعلم أن حظه من المصيبة ما يحدث له ، فمن رضي فله الرضى ، و من سخط فله السخط .

في مسند الإمام أحمد و الترمذي ، من حديث " محمود بن لبيد ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي الله فله الرضى ، و من سخط فله السخط " زاد الإمام أحمد : و من جزع فله الجزع .

فأنفع الأدوية للمصاب موافقة ربه و إلهه فيما أحبه و رضيه له ، و إن خاصية المحبة و سرها موافقة المحبوب ، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، و أحب ما يسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه ، و أسخط عليه محبوبه

قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به


باب في البكاء على المصيبة و ما ذكر العلماء في ذلك
" عن ابن عمر قال : اشتكى سعد بن عباده شكوى له ، فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه ، فوجده في غاشية ، فقال : قد قضى ؟ قالوا لا يا رسول الله ، فبكى النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله بكوا ، فقال : ألا تسمعون ، أن الله لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب ، و لكن يعذب بهذا ـ و أشار إلى لسانه ـ أو يرحم " رواه البخاري ،

" و عن أسامة بن زيد ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه ، و تخبره أن صبياً أو ابناً لها في الموت ، فقال الرسول : ارجع إليها فأخبرها أن لله عز و جل ما أخذ ، و له ما أعطى ، و كل شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها لتصبر و لتحتسب ، فعاد الرسول فقال إنها قد أقسمت لتأتينها . قال : فقام النبي صلى الله عليه و سلم ، و قام معه سعد بن عبادة ، و معاذ بن جبل ، و أبي بن كعب ، و زيد بن ثابت ، و انطلقت معهم ، فرفع إليه الصبي و نفسه تقعقع ، كأنها في شنة ، ففاضت عيناه ، فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، و إنما يرحم الله من عباده الرحماء " رواه البخاري و مسلم

و قد جاء في آثار جمة " أنه صلى الله عليه و سلم زار قبر أمه فبكى و أبكى من حوله

. .


فصل ـ فيما روي على النبي صلى الله عليه و سلم في البكاء على الميت
و قد ذكر بعض العلماء أن البكاء الذي روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعله و أباحه ، أو أمر به للاستحباب ، هو البكاء الذي هو دمع العين و رقة القلب و رحمته ، و الذي نهى النبي صلى الله عليه و سلم عنه ، و هو البكاء ـ بالمد ـ الذي يستلزم الصراخ و الندب و العويل . و يشهد لهذا قوله : " ما كان من العين و القلب فمن الله عز و جل ، و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان ، و نهى عن رنة الشيطان " و هو رفع الصوت عند المصيبة


فصل ـ في التحذير مما يتفوه به المصاب من ألفاظ التظلم و الشكوى
و ليحذر العبد كل الحذر ، أن يتكلم في حال مصيبته و بكائه ، بشيء يحبط به أجره ، و يسخط به ربه ، مما يشبه التظلم ، فإن الله تعالى عدل لا يجور و عالم ل يضل و لا يجهل ، و حكيم أفعاله كلها حكم و مصالح ، ما يفعل شيئاً إلا لحكمة ، فإنه سبحانه له ما أعطى ، و له ما أخذ ، لا يسأل عما يفعل ، و هم يسألون ، و هو الفعال لما يريد ، و القادر على ما يشاء ، له الخلق و الأمر . بل إنما يتكلم بكلام يرضي به ربه و يكثر به أجره ، و يرفع الله به قدره


باب تحريم الندب و النياحة و شق الثياب
الندب : اسم للبكاء على الميت و تعداد محاسنه ، قاله الجوهري ، و الاسم الندبة بالضم ، و قيل تعداد شمائل الميت ، فيقال : و اكريماه و اجبلاه و الهفاه . و النوح : قال القاضي عياض : هو اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات .

و اعلم ـ رحمك الله ـ أن المطلوب في المصيبة السكون و الصبر ، و الرضا بقضاء الله تعالى ، و الحمد و الاسترجاع ، و الصدقة عن المصاب به و الدعاء له ، و أما الندب و النياحة ، و شق الجيوب ، و لطم الخدود ، و قول المنكر ، كل هذا ينافي ما ذكر . .

و قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع العلماء على أن النياحة لاتجوز للرجال و لا للنساء

عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس منا من ضرب الخدود ، و شق الجيوب ، و دعا بدعوى الجاهلية " . رواه البخاري و مسلم

وعن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : " وجع أبو موسى وجعاً ، فغشي عليه ، و رأسه في حجر امرأة من أهله ، فأقبلت تصيح برنة ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً ، فلما أفاق قال : إني بريء ممن برئ منه محمد صلى الله عليه و سلم ، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة " . رواه البخاري

قوله : الصالقة يعني التي ترفع صوتها عند المصيبة ، و الحالقة : التي تحلق شعرها ، و الشاقة التي تشق ثوبها

" و عن أم عطية ، قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم عند البيعة ، أن لا ننوح " ، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة ، أم سليم ، و أم العلاء ، و ابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، و امرأتان ، أو ابنة أبي سبرة و امرأة معاذ و امرأة أخرى . رواه البخاري ، و هذا لفظه ، و مسلم

" وعن أبي مالك الإشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، و الطعن في الأنساب ، و الاستسقاء بالنجوم ، و النياحة . و قال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب " انفرد باخراجه مسلم

وعن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الخامشة وجهها ، و الشاقة ثوبها ، و الداعية بالويل و الثبور " . رواه ابن ماجة




فصل ـ فيما ورد من عذاب الميت بالنياحة
" عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : الميت يعذب في قبره بما نيح عليه " ، و في رواية : " يعذب بما نيح عليه " . و لم يذكر في قبره رواه البخاري و مسلم. .


باب في وجوب الصبر على المصيبة
قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " و قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين " و قال تعالى : " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " و الآيات التي فيها الأمر بالصبر كثيرة جداً معروفة .

قال الإمام أحمد : ذكر الله سبحانه و تعالى الصبر في القرآن في تسعين موضعاً

قال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه ، و احتسابه عند الله ، و رجاء ثوابه ، و قد يجزع الرجل ، و هو متجلد ، لا يرى منه إلا الصبر . و قد تقدم " حديث أبي زيد ، أسامة بن زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و إرسال بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن ابني قد احتضر فاشهد ، فأرسل يقرأ السلام ، ويقول : إن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر وتحتسب " الحديث . أمرها بالصبر

" و عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه و سلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه و سلم ، فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى " . رواه البخاري و مسلم . و " في رواية : تبكي على صبي لها . فقال : إنما الصبر عند أول صدمة " ، و هذا يشبه " قوله عليه الصلاة والسلام : ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " فإن مفاجئة المصيبة بغته ، لها روعة تزعزع القلب ، و تزعجه بصدمها ، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها ، و ضعفت قوتها ، فهان عليه استدامه الصبر ، كذلك الغضب

" و عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : يقول الله عز وجل : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " . رواه البخاري

" وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الطاعون ، فأخبرها : أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ، فجعله الله رحمة للمؤمنين ، فليس من عبد ، يقع الطاعون ، فيمكث في بلده صابراً محتسباً ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد " رواه البخاري

قال شيخ الإسلام ابن تميمة : الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين ، و إنما اختلفوا في وجوب الرضا. انتهى كلامه . فالصبر واجب من حيث الجملة ، و لكنه يتأكد بحسب الأوقات فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره ، فإنه إذا صبر على الإقامة في البلد الذي وقع فيه الطاعون ، و صبر عند موت أولاده أو أقاربه أو أصحابه ، و صبر أيضاً عند مصيبته بنفسه ، و علم يقيناً أن الآجال لا تقديم فيها و لا تأخير ، و أن الله تعالى كتب الآجال في بطون الأمهات ، كما ثبت في الصحاح : كتب رزقه و أجله ، و شقي هو أم سعيد ، فلا زيادة ولا نقص إلا في صلة الأرحام ، ففيها خلاف معروف بين أهل العلم ، فإذا صبر واحتسب لم يكن له ثواب دون الجنة ، و إذا جزع ولم يصبرأثم و أتعب نفسه ولم يرد من قضاء الله شيئاً . و لقد ضمن الوافي الصادق الناطق في محكم كتابه حيث قال عن الصابرين : أنهم يوفون أجرهم بغير حساب . و أخبر أنه معهم بهدايته و نصرة العزيز و فتحه المبين ، فقال تعالى : " إن الله مع الصابرين " فذهب الصابرون بهذه المعية التي هي خير الدنيا و الآخرة ، و شارك بعض الأنبياء في قوله : " إنني معكما أسمع و أرى " و أخبر تعالى أن الصبر خير لأهله خبراً مؤكداً . فقال تعالى : " و لئن صبرتم لهو خير للصابرين " و أخبر أن الصبر مع التقوى لا يضر معه كيد الأعداء أبداً . فقال : " و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط


فصل : في علامات الصبر و رضا النفس عن قضاء الله تعالى
ومن علامات الصبر ، عدم مشقته على النفس عند ورود المصائب ، وكف الكف عن تمزيق الثياب و لطم الخدود ، و حبس اللسان عن الاعتراض على المقادير و التسخط ، و الامتناع من كل شيء يوجب إظهاره ، حتى إن السلف كرهوا الأنين

قال الحكماء : العاقل يفعل أول يوم ، ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام .

و قد قال عليه الصلاة والسلام للأشعث بن قيس : إنك إن صبرت إيماناً و احتساباً . و إلا سلوت كما تسلو البهائم


باب في الرضا بالمصيبة
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الرضا بالمصائب ، أشق على النفوس من الصبر ، و قد تقدم أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس ، و في جامع الترمذي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا أحب الله قوماً ابتلاهم ، فمن رضي ، فله الرضا، ومن سخط ، فله السخط

قال عمر بن عبد العزيز : أما الرضا ، فمنزلة عزيزة أو منيعة ، و لكن قد جعل الله في الصبر معولاً حسناً

و قال محمد بن إدريس الشافعي : حدثنا زهير بن عباد ، عن السري ابن حيان ، قال : قال عبد الواحد بن زيد : الرضا باب الله الأعظم ، و جنة الدنيا و سراج العابدين

و روى ابن أبي الدنيا بإسناده ، " عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الصبر رضا " فهذا الحديث ، فيه بشارة عظيمة لأهل المصائب ، إذ سمى الصبر رضا ..

و ذكر ابن أبي الدنيا ، في قوله تعالى : " و من يؤمن بالله يهد قلبه " قال علقمة بن أبي وقاص : هي المصيبة ، تصيب الرجل ، فيعلم أنها من عند الله و يسلم لها و يرضى

و قال أبو عبد الله البراثي : من وهب له الرضا فقد بلغ أقصى الدرجات

و عن مصعب بن ماهان ، عن سفيان الثوري ، قال : في قوله تعالى" و بشر المخبتين " . قال : المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له

فصل : في البكاء و الحزن الصامت لا ينافي الرضا و الصبر

و أما البكاء و الحزن من غير صوت و لا كلام محرم ، فهو لا ينافي الصبر و الرضا ، و قد تقدم لنا قريباً من ذلك . قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام : " و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم " قال قتادة : كظيم على الحزن ، فلم يقل إلا خيراً . مع قوله تعالى : " إنما أشكو بثي و حزني إلى الله " و قوله تعالى عنه في أول السورة : " فصبر جميل " و قد " جاء في أثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم : من بث لم يصبر " لكن يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من البكاء ، و لم يناف حزنه و بكاءه صبره ، فإنه عليه السلام ما شكا بثه و حزنه إلى مخلوق ، و إنما شكاه إلى الله

و روى حماد بن سلمة ، " عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم . قال : ما كان من العين و من القلب فمن الله و الرحمة ، و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان

قال خالد بن أبي عثمان : مات ابن لي ، فرآني سعيد بن جبير مقنعاً ، فقال لي : إياك و التقنع ، فإنه من الاستكانة

و قال بكر بن عبد الله المزني : كان يقال : من الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة

و قال عبيد بن عمير : ليس الجزع أن تدمع العين و يحزن القلب ، و لكن الجزع القول السيئ ، و الظن السيئ


فصل ـ في أن الله تبارك و تعالى يختبر عباده بالمصائب
و الله تبارك و تعالى يبتلي عبده ، ليسمع شكواه و تضرعه و دعاءه و صبره و رضاه بما قضاه عليه ، فهو سبحانه و تعالى يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب و غيرها ، و يعلم خائنة أعينهم و ما تخفي صدورهم ، فيثيب كل عبد على قصده و نيته ، و قد ذم الله تعالى من لم يتضرع إليه و لم يستكن له وقت البلاء ، كما قال تعالى : " و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون"

و العبد أضعف من أن يتجلد على ربه و لا يشكو إليه حاله ، فإنه إذا كان سادات الخلائق ، و هم الأنبياء المعصومون صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، قد أثنى الله تعالى عليهم حيث شكوا ما بهم إلى الله تعالى ، فقال تعالى عن بعضهم : " و ذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " و أثنى على أيوب بقوله : " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " ، و على يعقوب : " إنما أشكو بثي و حزني إلى الله " و على موسى بقوله : " إني لما أنزلت إلي من خير فقير " . " و قد شكا إليه خاتم أنبيائه و رسله بقوله : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، و قلة حيلتي ، و هواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين " الحديث المشهور في دعاء الطائف ، و هو دعاء عظيم ، فالشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الصبر و لا الرضا ، بل إعراض العبد بالشكوى إلى غيره من جهله بخالقه و عدم رضاه و صبره بما ابتلاه الله تعالى به ، و الله تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه و يحب من يشكو ما به إليه

قيل لبعضهم : كيف تشتكي إلى من لا يخفى عليه خافية في الأرض و لا في السماء ؟ فقال :

قالوا : أتشكو إليه ما ليس يخفى عليه

فقلت : ربي يرضى ذل العبيد لديه






منقول باختصار من كتاب ( تسلية اهل المصائب )




بسم الله ابـد ومضي التوقيـع :
وسجل إعجابـي وتـوقيـعي :
ونا سبيعي وأفتخر في سبيـع :
لي الشرف يوم إني سبيعي :

الهضيبي . الحريق
رد مع اقتباس