(( 9 ))
مرحباً من جديد .... سوف يكون محل الحديث هذه المرة عن ما شاع من فكر اختلط فيه الحابل بالنابل ، وكثرت فيه الإشاعات ما بين مصدق ومكذب ، وما بين مكبر لحجم هذا الفكر ومتهاون فيه دون مبالاة ، فكر كم دارت حوله الحوارات وجمع تارة وفرق تارات ، فكر لم نكن قد عرفناه في بلادنا بلاد الحرمين ، فكر لم نتعلمه في صفوف الدراسة ولا في مجالس العلماء ، فكر يخرج الرجل من الملة ويجعله ما بين ليلة وضحاها في دائرة غير دائرة الإسلام ... فكر التكفير والهجرة ...
دعوني أصدقكم القول ابتداءً أن توجيهات القادة من شباب الخليج العربي كانت تصب ضد تكفير دولنا في الخليج العربي وضد تكفير حكامنا وضد تكفير علمائنا ، بل كان كثير من المجاهدين من خليجنا العربي يتورع حتى من الخوض في أمر الحكام من سب وشتم وتجريح وتشهير ببعض أخطائهم ، لم يكن الشباب الصادقين ممن نفروا في سبيل الله طلباً للشهادة أن يكون همهم هذا الأمر من تكفير أو بحث عن سقطات أحد ، نعم فتم من نفر من هذا الخليج المعطاء أهل خير ومحبة ووفاء لأوطانهم ، فقد عاشوا على خيرات هذه الأوطان ولم يسمعون عنها إلا كل خير من الآباء والأجداد والعلماء ، شباب يرضخون للدليل ويسلمون للحجة الشرعية ومتبعين للعلماء وفتاواهم وخاصة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن جبرين ووو
شباب لم يكون همهم الخوض في أعراض الناس ، ولم يجعلون من أنفسهم منابر تصنيف للناس بين مؤمن وفاسق وفاجر وكافر ، كان النصح شيمتهم ، وكان العفو والصفح من صفاتهم وكان الحلم على الجاهل من أجزل عطائهم ، أشداء على الكفار رحماء بينهم ، نعم هكذا عرفت أهل الخليج في المعسكرات وفي أماكن الرباط فهم ركعاً سجداً يقومون الليل وينشغلون بحفظ كتاب الله والأذكار النبوية وخدمة الإخوان والرقي بالنفس ، رجال كانت أنفسهم سامية ومترفعة عن اللغو والغيبة والنميمة ، عاهدوا الله على الإعداد في سبيل الله والجهاد حتى نيل أحد الحسنيين إما النصر وإما الشهادة ، ولم تشغلهم عن هذه الأهداف السامية مشاغل من قيل وقال وكثرت سؤال ومضي في غياهب الفتن ...
وبقيت ثلة من هؤلاء صابرة على الحق لم يضرها من خذلها أو من يحاول النيل من فكرها المستقيم ..
وفي المقابل رجال من إخوان لهم من مصر والجزائر وليبيا واليمن ومن كل أقطار الأرض ، يؤثرونهم على أنفسهم ، ويضحون من أجلهم ، ويخالطون منهم الكثير ، ووالله إن فيهم أسود سلمت نياتهم وارتفعت مقاصدهم نحو الخير وحب الجهاد ، تراهم طويلي صمت ، كثيرين ذكر ، نعم فمن تلك الدول أبو رجاء الجزائري وأبو هاجر العراقي وأبو عبدالرحمن المصري وأبو ريحان الجزائري وعنتر المصري وووو ماذا أعد وماذا أذكر فهم رجال يحبون الله ورسوله وسلمت قلوبهم وألسنتهم من قول الفحش والخوض في التكفير وأناس كثر من شتى أصقاع الأرض لا نعلمهم الله يعلمهم خاضوا الجهاد بنقاء وصفاء وحسن نية ,,,
وفي الصورة المقابلة على النقيض تماماً ، رجال تبصرهم فتحتار وتصيبك خيبة الأمل من جراء جهل مطبق وتخبط واضح ، وكأنهم أتوا عامدين لزرع الفتنة ونشوب الخلاف وإثارة البلابل بين المجاهدين ، يجعلون من الحبة قبة ومن البالون منضادا وللأسف الجديد ...
ولا ريب أن كانت لهذه الجماعة والثلة من السلب أعني الأخيرة ، الأثر الكبير على فكر شباب الجهاد في نشر فكر تكفير الحكام والعلماء ، وتفسيق القادة وبعض المدربين بل وربما وصل الحال إلى تكفير فلان أو علان وعلان ..
أولئك الشباب ممن أتوا من بلدان ضجت بالفتن ، بلدان استباح بعض شبابها الدماء والأشلاء وقتل رجال الأمن وسياسة الاغتيالات وقتل السياح واستباحة سرقة البنوك ووو وهذا ما كان محتدماً على أشده من فكر في الجزائر ومصر وغيرها ..
وبالطبع كانت تلك الدول تعتقل كل من عاد من أفغانستان ، غير أن دولنا دول الخليج تسمح بالعودة إلى أفغانستان دون أي مضايقات ، على الأقل حتى نهاية عام 1414 هـ .. وسأتطرق إلى ما حدث بعد هذه الفترة ...
ولا ريب أن أي إنسان سيخالط من يؤمنون بفكر ما لا شك أنه سوف يتأثر ، وإن لم يخوض في التكفير لا شك أنه سيخوض في الحقد والكراهية على ولاة أمره وأبناء بلده من المسؤولين والعلماء ..
وبالمثال يتضح المقال ، ففي ليلة من الليالي في معسكر الفاروق ، حدثت عملية ليلية وهمية لنا كشباب ، وكنا ننشد بعض الأناشيد بعد انتهاء العملية ، وكان كثير من الإخوة من الجزائر ومصر ووو غيرها من الدول العربية ينشدون صيحات تسب الحكام والدول وتكفرهم وتتعالى الدعوات بأن يهلك الله ذلك الطاغوت الكافر وذلك المجرم ووو ولم نكن في الحقيقة نتطرق لسب حكامنا نحن كشباب خليج ، وكنا في الحقيقة نرفع الأصوات معهم فنحن شباب نتدرب في معسكر واحد وما المانع من ذلك فهذه أرض عزة وجهاد وإخواننا لن يقولون إلا ما يفقهونه ، أي ثقة في أولئك الذي نعيش معهم ، وفجأة قال لأحد الشباب أحد الإخوة الجزائريين وكانت كنيته أبو ذر الجزائري قال : ( لماذا لا نبصركم تدعون على الملك فهد هل تعتقدون أنه مسلم ) فتعالت الصيحات من أفواههم بالسب والشتم لحكام دولنا ، وكنا في الحقيقة نحس بغصة تجاه ما نسمع غير أننا نحبذ عدم المواجهة ، مع كون البعض كان مع القوم حيث مالت بهم الريح مالوا ، وكانت حماسة على غير وجهة شرعية ولأسف ..
وكنت حينها ليس عندي الجاهزية العلمية كي أناظر أو أجادل البعض غير أنني يوم من الأيام قلت لأحد الإخوة من السودان : يا أخي عندنا الشيخ عبدالعزيز ابن باز وهو يدعو لولاة الأمر ووو فقال ( هذا ابن باز رجل أعمى لا يدري ما يجري ، يأتي كي ينظر إلى إخواننا إلى الدما والأشلاء ، لا أظنه عالماً ، كيف يتجرأ ويفتي بأن الجهاد في أفغانستان فرض كفاية ووو يطول حديثه ) بالطبع أنا ألتزم الصمت ؟؟
وفي ذات يوم أتى أحد الإخوة من مصر وأعطاني كتاب قال خذ أتعرف من هذا ؟ في الحقيقة لم أكن أسمع بخالد الإسلام بولي الذي اغتال السادات وقد كان مثالاً قدوة لإخواننا المصريين في أفغانستان ، فقرأت كيف تم اغتيال السادات ووو أطلت القراءة في الكتاب وما زلت أذكر منه تلك الصور التي يستدلون بها من سجن الإخوان المسلمين والتنكيل بهم ، ومن ثم أرجعت الكتاب لصاحبنا وقال هل قرأته قلت نعم ؟ قال : إن شاء الله هكذا نفعل بالطواغيت وهكذا يجب أن تفعلون كي ترفعون الظلم عن أمة الإسلام .. في الحقيقة لم يكن لي إلا أن أتمتم بنعم نعم فلست أملك أن أجادل هؤلاء الذين ما أسرع أن يقنع أمثالي بشراسة وحماس...
وما زلت أتذكر أنه سقط في يدي وأنا في سرية الفتح في جلال آباد كتاب كنت قد رأيته في باكستان أيضاً ولكن باطلاع سريع حينها أسمه ( كشف الجلية في تكفير الدولة السعودية ) رأيته لثاني مرة في مكتبة معسكر هذه السرية ، في الحقيقة قرأت العنوان وأصابتني الدهشة كيف وصل الكتاب إلى هنا ، وهبت أن أفتح الكتاب فأي دولة يتم تكفيرها حتى السعودية ، في الحقيقة فتحت الكتاب وبدأت أقرأ وأقرأ بشغف ، ومن ثم قرأت أهوالاً أشبه بقصص غريبة كأنها لا تتكلم عن بلد عشت فيه حياتي ..
يتبع ( 10)