الحلقه الثالثه:
شركات الثراء السريع تنتهـك تاريخ وجغرافيا الآثار
دعوة تاريخية لايقاف (خروقات) الجبال

اعداد : ثواب هياف
الجبال تستقبل الزائر الى رنية ومن قممها يشهد الاهالي شموخهم وكبرياءهم.. ويقول اناس زاروا المنطقة لاول مرة, انهم لم يروا مثل هذه القمم العالية الا في رنية وتشكل هذه الجبال سلسلة من المرتفعات اللافتة للنظر في مشهد هندسي بديع, ينتظر رؤية سياحية جديدة, فالمنظر برغم علوه جاذب ومثير فضلا ان هذه الجبال العالية تشكل مع رمال الصحراء تميزا سياحيا بارزا.
الجبال لم تبعد بصيرة عن بؤرة الحركة وكأنها لم ترض بالسكون, فصارت هذه السفوح والقمم محط انظار شركات التنقيب والتعدين والباحثين عن (الغالي والنفيس!
محاولات البحث والتنقيب تلك لم تترك مكانا في الجبل الا ونهشته, وتفتت الصخور في ظل تنافس كبير بين الشركات عن اقتسام كعكة الثراء الامر الذي شكل خروقات واضحة لجمال الجبال.. وتلويثا بينا للطبيعة..
انتهاك حرمة الجبل
المواطنون لم يقفوا مكتوفي الايدي امام هذه الخروقات الصريحة فتقدم عدد منهم بشكاوى وبلاغات الى الجهات المعنية طالبين ايقاف انتهاك حرمة الجبال وردع المتاجرين بها.. وحثوا هذه الجهات ايقاف نزيف الصخر والحصاة في رنية ومعاقبة الشركات الجشعة التي بادلت الجبال في قسوة وجفاف قلب الصخر!
مبرر الاهالي ذلك ان الخروقات تضر بالبنية والآثار والطبيعة.. وبالفعل شكلت اعتداءات الشركات صورة سالبة خصما عن المعالم والآثار التاريخية البديعة والنادرة.. ومعظم هذه المواقع التي حطمتها شركات الثراء السريع تغنى بها شعراء الجاهلية وصدر الاسلام في قصائدهم المعروفة والمحفوظة.
منع الاعتداء
الزائر لهذه الجبال الشاهقة يرى نقوشا وكتابات ضاربة في القدم.. كما ان الصور الجميلة تشكل تعبيرا عن ثقافة وتاريخ هذه المنطقة.. الامر الذي يحفز المواطنين دوما الى المطالبة بحماية هذه الآثار ومنع المعتدين عليها ويستنجد الاهالي بمصلحة الآثار وهيئة السياحةلايقاف عبث العابثين.
سحمان السبيعي.. احد المهتمين بشؤون الآثار يسلط الضوء على آثار رنية وخلفياتها ويقول: المعلوم ان محافظتنا مشهورة بجبالها ومواقعها التاريخية, وكانت منذ الازل موقعا للكثير من الحضارات. وقد جسدت هذه الاهمية كتب المتقدمين وقد شهد شعراء الجاهلية جمال هذه المواقع وعبروا عنها في اشعارهم..
قصص .. ورسومات
يأخذنا سحمان في جولة الى ماضي رنية في سياحة بديعة ويبدأها بجبل (حدا) الشهير الذي يقع على بعد 65 كيلو متر شرق رنية.. ويحيط بهذا الجبل جبال اخرى شهيرة ولكل منهم اسم وتاريخ وقصة.. ويشرح سحمان اهمية (حدا) ويقول ان الجبل يحتوي على نقوش وكتابات قديمة تعود تاريخها الى عصور سحيقة.. كما ان الجبل ذاخر بالكهوف واعمال تشكيلية ورسومات لحيوانات صحراوية ولا احد يدري إلام رمى رساموه?
مصلوخ الجرانيت
في الجهة الجنوبية يشهد الناظر اشكالا متنوعة وعجيبة رسمتها عوامل التعرية في سفوح وقمم الجبال.. ويقول مرافقنا ان رنية ثرية بهذه الاشكال العفوية وهي تضفي بلاشك شيئا من الالق والجمال في المنظر العام للمحافظة.. والذي يميز جبال رنية عن مثيلاتها الوجود الكثيف للصخور (الجرانيت) المنتجة لاجود انواع البلاط, ويقول مختصون ان بلاط رنية يعتبر الاجود والافضل عالميا.. ويشرح سحمان طبيعة جبال المحافظة ليقول انها تحتوي على ثلاثة الوان من الجرانيت الاحمر, الابيض, واللون اللؤلوي.. وهنا جبال يطلق عليها (المصلوخ) ثرية بهذا النوع من الصخر.
اوقفوا هذا العبث
ويبدى سحمان امتعاضه من الشركات الباحثة عن الثراء بالتكسير العشوائي والتنقيب المُضر ويقول بأسى ان هذه الجبال المعتدى عليها ظلت طوال سنين وحقب مضت عنوانا جميلا للمنطقة.. ويتفق معه في ذلك الطالب الجامعي سلطان السبيعي ويقول ان الشركات المتنافسة تنتهك حرمة الطبيعة بمتفجراتها وآلياتها الثقيلة.. وهي بذلك تضيع علينا آثاراً جميلة وطبيعة خلابة.. لانها ببساطة يمكن ان تتحول الى مواقع للشلالات المائية سيما في مواسم الامطار ويمكن ان تشكل الى جانب البراري مزجا جميلا للطبيعة يمكن ان تستغل في الجذب السياحي.
مقابر الصخور
ومن المواقع المعروفة بئر (الحجيزة) التي تحتل موقعا فريدا في سفح احد الجبال غرب رنية ويبلغ ارتفاعها من سطح البحر نحو ستمائة متر وعرفت هذه البئر منذ الازل وهي محفورة في السفح ويبلغ قطر دائرتها نحو ثمانية امتار وتبقى ذاخرة وثرية طوال ايام السنة ويزيد عمقها عن المترين ونصف المتر ويعتقد عامة الناس ان هناك (مقابر) داخل الصخور وهناك اطلال مسجد قديم يقال انه شيد في عصور سالفة.. وللوصول الى هذه البئر يسلك الناس طريقا واحدا لا يستطيع غير الاهالي ارتياده!
حيتنا الغيام
اما جبل (سفيره) فهي من المعالم الشهيرة كذلك ويقع في منطقة (الحرة) وهو جبل مرتفع يتميز عن غيره وكان من العلامات البارزة التي يستدل بها المسافرون العابرون للمنطقة ويمتاز الجبل بتباين طبيعته وانحدار شعاب عديدة منها.. واسم جبل سفيره قديم ذكر في مواضع شعرية عديدة ويقول احدهم:
بكتنا دارنا لما ارتحلنا
فحيتنا سفيره فالغيام
(والغيام) في موقع الحرة هو عبارة عن موقع تتجمع فيه المياه لفترةطويلة وقد احيط بهذا الجبل كثير من الاساطير وفي اعلاه حصون وقلاع ويرجع الاهالي هذا الموقع الى قبيلة بني هلال الزير قطنوا فيها لفترات طويلة وما ورد اسم جبل في كتابات الجغرافيين والرحالة.
(لبيد) يبث اشواقه لـ (رنية)
من جبال رنية الشهيرة جبل (وقف) الذي يبتعد عن وسط المدينة بنحو خمسة عشر كيلو مترا من جهة الجنوب وهو يحاذي طريق بيشة.. ومن الجبال كذلك (سلي) و(ضلفع) و(تدوم) وعليها تغنى شعراء الجاهلية وصدر الاسلام.. ونذكر منهم على سبيل المثال قصيدة لبيد بن ربيعة..
حيث ذكر في قصائده اسماء جبال كثيرة تابعة لرنية, ظلت تحتفظ الى يومنا هذا باسمائها.. يقول:
لهند باعلى ذي الاغر رسوم
الى احد كانهن وشوم
و(وقف) و(سلى) (فاكناف) (ضلفع)
تربع فيهن تارة وتقيم
بما قد تحل الواديين كليهما
زنانير فيه مريع (وتدوم)
وبرغم تاريخية هذه المواقع الا ان السكان يستغربون غياب النظرة السياحية عنها ويأملون في استغلالها.. وموقع رنية الجغرافية الاستراتيجي يجعلها محطا لانظار عشاق التاريخ والجغرافي.. ويشهد الطريق الواصل الى رنية كثافة في عدد العابرين لاسيما في مواسم الصيف والمناسبات ويقضى هؤلاء بعضا من اوقاتهم هنا.. والمأمول هو انشاء روافد سياحية حية تستوعب هذه الحركة النشطة..
وحاول بعض رجال الاعمال من ابناء المنطقة انشاء منزل وشقق في المدينة لتحفيز المصطافين للزيارة الا ان هذه المحاولات بقيت.. متعثرة وضعيفة.