وهنا مضى نفيس للمستشرق الرحالة تشارلز دواتي ، فيذكر فيه أن زامل السليم جعل حملة البنادق من أهل عنيزة وعددهم مائتي رجل ليلة المعركة في مدخل وادي عنيزة ولما طلع الفجر ، أطلقوا النار على سقاة جيش محمد بن فيصل ثم تابعوا إطلاقها على الجيش كله واستطاعوا التقدم إلى مخيم أعدائهم ، وحصلت في أعدائهم مذبحة .
ثم يقول دواني : إن زامل اوقف المذبحة رحمة بإخوانه في الدين ، ثم لم تلبث أن سقطت الأمطار فابطلت نيران فتايل البنادق فاصبحوا عاجزين عن الدفاع بعد أن أصبحت البنادق في أيديهم عديمة الفائدة ، فاضطر رجل عنيزة إلى الانسحاب ، ولكن رجال الخيالة انتصروا عليهم بسيوفهم وكان عددهم يزيد على الألف ، فهلك في أثناء الحرب مائتان من رجال عنيزة .
ودواتي يخالف بذلك ابن عيسى الذي يذكر ان عدد القتلى 400 رجل ، ورحم الله زاملاً فشتان بين موقفه وموقف غيره .
وفي موقعة المطر يقول الشاعر محمد بن حريول مخاطباً الإمام فيصل :
خذ من كلام الله ولا تبغي سواه
وماشين في كل الأوامر للإله
مثل الحنيس الخطف يرهب عن سواه
مير إن والى العرش مدك من سماه
قل له بنا لا يستمع قول المنام
هنا اسلام وكل أسامينا اسلام
هذي عنيزة ما تهام ولا تضام
لو المجد تومك تعديت الخيام
وقد انتهت هذه المعركة بالصلح بعد أن أرسل أهل عنيزة زامل السليم ممثلاً منهم إلى عبدالله الفيصل في معسكره .
وفي سنة 1301هـ ولما أراد الإمام عبدالله الفيصل الاستيلاء على بريدة وأخذها من حسن المهنا ، اتفق مع زامل السليم امير عنيزة ، ومصلط بن ربيعان أمير الروضة من عتيبه ، وعسكروا خارج عنيزة ينتظرون قدوم عقاب بن حميد وعمر بانه من برقا ، ليبدأوا من هجومهم على بريدة ، لكن عقاب تأخر عن موعد مجيئة ، وابن رشيد وصل بجنوده من الحاضرة والبادية نصرة لحسن المهنا وعشيرته ، وسعى عبدالله بن عبدالرحمن البسام في إقناع زامل السليم وكبار أهل عنيزة ، وقررو عدم الاشتراك في الحرب ، ولما علم مصلط بن ربيعان بذلك أتى صيوان عبدالله الفيصل وهو ينشد :
ماسايله أنا عن بيرق بالشام
لومك على برقا وابن بسام
عقلت سبلاكم في من يوم
يا شيخنا مالك علينا لوم
سبلا : ابله المشهورة ، وبين الشام : علم ابن رشيد ويقصد بالشام شمال نجد وجمتها : عرب ابن حميد .
وفي سنة 1038هـ كانت وقعة المليداء المشهورة بين أهل القصيم واهل حائل ، وانتهت المعركة بهزيمة اهل القصيم ومقتل الفارس الأمير زامل السليم – رحمه الله .
وفيها يقول حمود بن عبيد الرشيد :
وصار الطمع مناد منهم بالارقاب
وتكسرت عن روسهم عوج الانصاب
اقبل يتهيالك نصيب ومغراب
قبيلة يشبع بها النسر وغراب
جونا وجينا هم سواة الجبال
أول علفهم زامل والعيالي
ياذيب اللي بالجواد المغالي
ترى بالضلفق مثل الرجوم الطوالي
وقد كان الاتفاق بين زامل السليم وحسن المهنا أمير بريدة بدأ سنة 1306هـ بعد طول بقاء وقد حاول أمير حائل محمد بن رشيد أبطاله ، بمراسلته لزامل ، ولكن محاولاته باءت بالفشل ولقد استطاع زامل أن يستغل بغمارة عنيزة ومقاطعاتها ، وذلك أن لاويته على الإمارة صارت في وقت ضعف فيه آل سعود ، ولم يمتد فيه نفوذ آل رشيد ، فاستقل بغمارةالبلاد حتى قتل في معركة المليداء .
أما والده عبدالله فلقد صار اميراً في عنيزة سنة 1257هـ حتى قتل في معركة الفريس بين أهل عنيزة بقيادته وبين عبيد بن رشيد وذلك عام 1261هـ.
وأما جده سليم ، واسمه سليمان ، فهو جد آل سليم كلها من أبنائه الخمسة ، وليس له علاقة بالإمارة ، وإنما كانفلاحاً بسيطاً في عنيزة ، وقد توفي حاجاً
سنة 1246هـ .
وبسبب زامل أصبح لعنيزة هيبة في قلوب القبائل فلقد كان قوي الشخصية حازماً صارماً صارماً ، حين يتطلب الأمر ذلك .
ففي عام 1289هـ تعرضت عنيزة إلى اعتداء على حماها من جانب مصلط ابن ربيعان أمير الروقة من عتيبة ، وضيق على سابلة عنيزة ، فأرسل له زامل سرية من أهل عنيزة ومن بادية مطير – الموالية لعنيزة – فمنهم من نهب إبل مصلط بن سبلا ، فطلب مصلط الأمان من زامل ، فأمنه وأكرمه ، ولما رأى مصلط إبله في عنيزة تساق للذبح قال :
ماهيب عند مصرفة خضر الأرباع
يا ليت سبلا يوم جاها بلاها
لم يكن ذبح زامل لأبل ابن ربيعان الا بعد تحذير من زامل بأن يصرف ابله عن مراعي عنيزه ولاكن ابن ربيعان كان مغرورا بعض الشي وغروره هاذا اوقعة بهاذه المصيبة فكيف يكون لرئيس قبيلة مثله ان يقف موقف البطل امام أمير مدينه لها ثقلها وقوتها التي لا يستهان بها لقد وقعت المعركة وقتل من رجال ابن ربيعان عدد وسيقة ابلة ونحرت كما أمر بذلك زامل ويقال انهو وزع لحمها علي العبيد .
ونستدل بهاذة الوقعة المحاورة الشعرية التي جرت بين الشاعر الكبير عبد العزيز البادي من شعراء عنيزه و الشاعر خلف بن هذال العتيبي حيث قال
بن بادي:
ياسلام الله سلام بردة مثنيه....عد ماينشا الخيال ويرزم الرعادي
ردة تطرب سموع اهل القلوب الحيه.. له حلاوة ذوق بالمحدار والمسنادي
خلف:
مرحبا ترحيبة مني من احسن نيه.....حشمة للحاضرين وحشمة بن بادي
انت تفهم للطروق وخطتك ممشيه ..... مثل ماسويتها قلل بملح الزادي
بن بادي:
الله اكبر ياخلف هذال وش هالجيه..... مادري صدفه عليك او رابط ميعادي
عام الاول قصوا الجره مع المريه ..... مير عجات الهوى تخفى الاثر بالوادي
خلف:
الليالي تجمع شتات العرب بشويه...... جيت رفت لها عيني وعرق فوادي
كان قصاص الدروب محضر مركيه... الجرر واجد ولاتبكي ذهيب غادي
بن بادي:
العلوم كثار والغالب مع الشرعيه... انت بزنادك وانا ابشعم بقدح زنادي
قالوا انك عام الاول رحت للبريه.... انت وش جابك لجنة عاد بن شدادي
خلف:
ماكذبت ان الحساني يذهبن السيه.... شب نارك واتتقد ويجي مية وقادي
انت حالم ماصدق حلمك جمعت بليه... مادرينا عن علوم قال عنها الرادي
بن بادي:
ياحليلك يالعلوم بخطة برحيه ... كان هو شرف شهر شعبان عقب جمادي
ياجمل مادري وراه تحوشك الدوريه ... وانت عن درب الحلال مجنب من غادي
خلف :
الشهور الها عدد وايامها مخفيه... كم تفيد وكم تصيد وحبلها منقادي
الجمل يسحب خطامه ماوراه دعيه.... ماحذف زهبة شداده فالمحيط الهادي
بن بادي:
الشريب اللي شريبه فوق جال الطيه ... مادري وشبه ترقب جية المدادي
والزماليق الضحى بالقايله مرعيه....لاصباح ولاهجاد يقعد الرقادي
خلف:
يحسب انه كاسب له خزنة منسيه... مادرى مفلس وتتله الابعادي
كان ياشمس الضحى وقتي طويل الفيه..... مابقي للناس ظل وضاع شوف العادي
بن بادي:
انت لو زليت عندي زلتك مرفيه... لاتذكرت الجهام وقصة المجلادي
والله اني مارغبت الصبغة البنيه.... خابر غيب الليالي فخها صيادي
خلف:
لاتذكرني زمان سطوته بيديه..... صار فيها المسك والعنبر وعود الكادي
الجهل ينعم مع الشايب وله ماريه..... كم حدا من ليلة سودا وقدمه حادي
بن بادي:
يوم سبلا والجهام وركضة الرجليه..... وانت ذاك الحين لادله ولابرادي
كل راعي غي لو تنهاه يتبع غيه.......مثل شن الريح في جسر على بغدادي
خلف:
ماكذبت انا قرينك والسنين رخيه...... يوم سبلا وانت لاراحل ولاشدادي
لو مسكتك في زمان فات ذقت الكيه.....بس فينا طبيعة مانروع الاجوادي
بن بادي :
خلها بكتابها ياصاحبي مطويه.... فزعة اجدادك وهذي من عزوم اجدادي
يوم وقت ثليم وانت تروح للصينيه.... كاسب عز وكرامه ماعقبت بلادي