عرض مشاركة واحدة
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 15 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد : الحضارة العربيّة في الأندلس وأثرها في أوربا

كُتب : [ 28 - 07 - 2008 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

( نشأة دولة الإسلام في الأندلس وسقوطها من 92 هـ حتى 890 هـ )

إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : من منا لا يعرف الأندلس الجرح الغائر في صدر الأمة حضارة امتدت لقرون ابتدأت من عام 92 للهجرة النبوية الشريفة حتى توقيع معاهدة الاستسلام بتاريخ 21/1/890 هـ وتسليم غرناطة في 2/1/1492م , ومن أصدق البحوث التي تحدثت عن الأندلس وتاريخها بحث الأستاذ الدكتور / علي المنتصر الكتاني أترككم مع بحث الدكتور راجيا لكم الفائدة والمتعة مع حقبة مضيئة من تاريخ الأمة الأسلامية :

دخل الإسلام إلى الأندلس من 92 إلى 95 هـ ( 711 إلى 714م )، وأهلها في سخط عارم ، ضد حكامها القوط النصارى الثلاثيين ، بينما كان معظمهم تابع لمذاهب مسيحية موحدة ، مضطهدة من طرف الكنيسة الحاكمة . وهكذا انضموا إلى الإسلام عن طواعية وحماس ، لدرجة أن بعض المفكرين الأسبان المعاصرين نعتوا الفتح الإسلامي للأندلس ، بثورة إسلامية في الغرب (2). وهكذا دخلت منطقة لا تقل مساحتها عن 000/700 كيلو متر مربع ، دار الإسلام طواعية ، تضم معظم شبه الجزيرة الأندلسية ، سوى منطقة جبلية في الشمال الغربي ، كما تضم قسماً مهماً من فرنسا ، أو الأرض الكبيرة ، كما سماها قدماء المسلمين . فتكوّن مع السنين شعب أندلسي جديد ، مسلم العقيدة ، عربي اللغة ، له خصوصياته ، متأصل في بلده . ولم يكن ذلك الفتح الإسلامي غزو أمة لأخرى ، وإجبارها على دين ولغة ، لم ترتضيهما ، بل الشعب الأندلسي نفسه اختار الإسلام دينا ، والعربية لغة حضارة ، ورحب بالفاتحين المسلمين الأوائل ترحيب المقهور بالمنقذ .

انضمت الأندلس أول الفتح الإسلامي إلى ولاية المغرب في الدولة الإسلامية ، وعاصمتها القيروان ، ( في تونس اليوم ). ثم أصبحت ولاية قائمة بنفسها ، وعاصمتها إشبيلية . ثم انفصلت الأندلس عن الدولة العباسية في المشرق سنة 138 هـ ( 756م ) تحت زعامة / عبدالرحمن الداخل الأموي ، الذي أسس دولة أموية في الغرب ، واتخذ قرطبة عاصمته . وصلت الأندلس الأموية أوجها أيام / عبدالرحمن الناصر ( 300 - 350 هـ موافق 912 - 961م )، لكن مساحتها نزلت إلى 000/440 كيلو متر مربع بعد أن فقد المسلمون أربونة ، وقرقشونة ، وكل الأرض الكبيرة ، وبمبلونة ، وبرشلونة ، وبرغش ، وليون ، وأبيط ، وكل جليقية ، وسمورة ، وغيرها من مدن شمال غربي الجزيرة الأندلسية ، تحت ضغط الفلول النصرانية ، التي تنظمت في دويلات متحالفة ضد الوجود الإسلامي ودولته ، أهمها قشتالة ، ونبارة ، وليون .

بدأ الضعف يسري في الدولة الأموية بعد وفاة / المنصور ابن أبي عامر ، حاجب هشام الثاني المؤيد حفيد الناصر ، إلى أن انهارت سنة 422هـ ( 1021م ) وانقرضت . فتجزأت الأندلس بين ملوك الطوائف ، وصل عددهم إلى 23 ملكاً . فاغتنمت الدول النصرانية هذه التجزئة ، وأخذت تحتل مدن الإسلام الواحدة تلو الأخرى ، أهمها طركونة ، وبراغة ، وقلمروية ، ومجريط ، وخاصة طليطلة سنة 478هـ ( 1085م ). فاستنجد الأندلسيون بأمير المسلمين بالمغرب / يوسف بن تاشفين المرابطي ، الذي استجاب لهم ، وهزم النصارى في معركة الزلاقة ، سنة 479 هـ ( 1086م )، ثم قضى على ملوك الطوائف ، وضم الأندلس إلى المغرب . لكن أرضا شاسعة بما فيها طليطلة ظلت تحت حكم النصارى ، وتقلصت مساحة الأندلس الإسلامية إلى 000/250 كيلو متر مربع .

ولما ضعفت الدولة المرابطية ، تجزأت الأندلس مرة ثانية إلى طوائف ، فاستنجد الأندلسيون بالموحدين المغاربة ، فأنجدوهم سنة 540 هـ ( 1145م )، وضموا الأندلس للمغرب الموحدي ، بعد أن ضاعت مناطق أخرى ومدن أهمها سرقسطة سنة 512 هـ ( 1118م ). ثم انهزمت الدولة الموحدية على يد النصارى في معركة العقاب سنة 609 هـ ( ت1212م )، فانقسمت المقاومة الشعبية ضد الجيوش النصرانية الغازية بين ابن هود ، وابن الأحمر . لكن لم يستطع أحدهما إنقاذ قرطبة من السقوط في يد النصارى في 23/10/633هـ ( 29/6/1236م ). وبعد وفاة ابن هود سنة 635هـ ( 1237م )، تابع ابن الأحمر مجهوده في توحيد الأندلس الإسلامية واتخذ غرناطة عاصمة له .

ولم يتوقف الزحف النصراني على الأراضي الأندلسية بسقوط قرطبة ، بل احتل الأراغونيون النصارى بلنسية سنة 626هـ ( 1238م ) ثم شاطبة ومنطقتها . واستسلمت مرسية ، آخر معاقل شرقي الأندلس ، للنصارى القشتاليين سنة 640هـ ( 1243م ). فاستنجد الأندلسيون بالمغاربة ، ولكن المغرب كان فريسة حروب أهلية ، لم يتمكن معها من إنجادهم هذه المرة . ثم استنجدوا بالدولة الحفصية بتونس دون جدوى . فتابع ابن الأحمر مقاومته للنصارى ، الذين حاصروا غرناطة نفسها سنة 643هـ ( 1244م ). فآثر مصانعتهم ، وقدم الطاعة لملك قشتالة ، وقبل أن يؤدي له جزية سنوية ، وأن يكون حليفه في كل حروبه ، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي . وسلم ابن ال أحمر لقشتالة جيان ومنطقتها ، ثم ساعدها على احتلال المناطق التي اعترفوا له بها ، وأفظع ماحدث في ذلك ، إعانته لها على غزو مدينة إشبيلية سنة 645هـ ( 1241م ) ومنطقة غربي الأندلس(3).

وقضى ابن الأحمر ، مؤسس الدولة النصرية ، ما تبقى من حياته في توطيد مملكته وتنظيمها ، وتوطين المهاجرين ، إلى أن توفي سنة 671هـ ( 1272م ) عن 76 سنة . وقد تقلصت دولة الأندلس في أقل من قرن إلى 000/30 كيلو متر مربع ، وهي المناطق التي تضم اليوم ولايات مالقة وغرناطة والمرية ، وأقساما من ولايات قادس وقرطبة وجيان . وهي مناطق جبلية غير قابلة للزراعة ، جعلت منها العبقرية الأندلسية مركزاً حضارياً لا يضاهى زراعة ، وصناعة ، ومناعة .

أدت هذه الأحداث المأساوية إلى تغير جذري في الأمة الأندلسية . فكلما احتل النصارى أراض إسلامية ، هاجرت الطبقة المثقفة ، وأهل الصناعات والحرف ، إلى ما تبقى من الأراضي الإسلامية في مملكة غرناطة . وبقي عامة الشعب تحت حكم النصارى ، وكان الأندلسيون يسمون المتخلفين عن الهجرة من المسلمين ( بالمدجنين ) وقد نظم هؤلاء أنفسهم في جماعات إسلامية ، بينما أصبحوا أقلية في عقر دارهم ، إذ أتى الغزاة بمهاجرين نصارى لتعمير أراضيهم . وقد حافظ المدجنون على دينهم في ظروف صعبة تشبه العبودية . وضعفت مع السنين اللغة العربية بينهم ، وأصبحوا يكتبون كتبهم ورسائلهم باللغة الأعجمية ، وهي لغة قشتالية ، أو كتلانية ، أو أراغونية ، مكتوبة بالحروف العربية .

أما سكان مملكة غرناطة فكان عددهم يساوي على صغر رقعتها ، عدد سكان ما تبقى من الجزيرة الأندلسية ، وكانوا جميعاً مسلمين ، إذ لم تبق بينهم أقليات نصرانية ، كما أن اللغة الأعجمية اندثرت بينهم ، وأصبحت اللغة العربية بلهجتها الأندلسية هي لغتهم الوحيدة . وأصبحت مملكة غرناطة ملجأ الأندلسيين المدجنين وغيرهم ، تستقبل كل سنة عدداً كبيراً منهم ومن المجاهدين المغاربة .

حاول نصارى قشتالة غدر غرناطة واحتلالها فور وفاة ابن الأحمر ، الذي أوصى ابنه وولي عهده أبو عبد الله محمد الفقيه بالتشبث بالمغاربة والتحالف معهم . وكان المغرب قد استعاد شيئاً من قوته تحت الدولة المرينية . فاستنجد أبو عبدالله بالسلطان أپي يوسف المنصور ، الذي انتقل من عاصمته فاس إلى الأندلس على رأس جيش مغربي كثيف وألحق بالنصارى أشنع الهزائم سنة 674هـ ( 1275م )، ثم انتقل مرة ثانية سنة 677هـ ( 1278م )، وثالثة سنة 678هـ، ورابعة سنة 684هـ، حيث توفي بالجزيرة الخضراء . ولم يقاوم المغاربة النصارى فقط ، بل غدر السلطان أبي عبد الله كذلك ، وأسسوا مشيخة الغزاة في غرناطة برئاسة شيخ من بني مرين لتنظيم المتطوعين المغاربة .

وتابع السلطان أپو يعقوب سياسة والده ، وواجه هو الآخر بصبر جيوش النصارى ، وغدر السلطان النصري . فانتقل إلى الأندلس مدافعاً عنها سنة 690هـ . وتابع السلطان أبو عبد الله الفقيه جهاده ضد النصارى ، بعد أن أفاق من غلطته ، واستغفر زلاته إلى أن توفي سنة 701هـ ( 130م ). فاضطربت الدولة بعده ، وتكالب عليها النصارى حتى كادوا أن يتغلبوا عليها .

وانتقل الحكم سنة 713 هـ ( 1314م ) إلى أبي الوليد اسماعيل من غير فرع ابن الأحمر ، مؤسس الدولة . فوطد الدولة وأقر التحالف مع المغرب ، وأراغون ، ضد قشتالة ، إلى أن أغتيل سنة 725هـ . فخلفه ولده أبو عبد الله محمد ، الذي اضطر إلى الاستنجاد بالمغاربة ضد النصارى ، فجاز السلطان أبو الحسن المريني إلى الأندلس ، ونجح في تحرير جبل طارق من يد النصارى سنة 733هـ ( 133م ). لكن السلطان أبو عبد الله اغتيل بعد هذا النصر ، فخلفه أخوه أبو الحجاج يوسف ، فأحسن السيرة ، وكان من أشهر وزرائه لسان الدين ابن الخطيب . ولما شد عليه النصارى ، استنجد بالسلطان أبي الحسن الذي أرسل جيشاً تحت قيادة ابنه أبي مالك سنة 740هـ ، فانهزم وقتل . فانتقل السلطان المغربي بنفسه ، فهزمه النصارى في موقعة نهر سلادو في جمادى الأولى سنة 741هـ ( 1740م )، فوقع معسكره في يد الأعداء ، وذبح أبناؤه . وكانت هذه آخر مرة جاز المغاربة فيها البحر إلى الأندلس . وابتدأ النصارى يحتلون المواقع الإسلامية الواحدة تلو الأخرى .

واضطربت أوضاع غرناطة بعد تلك الهزيمة . لكن مشاكل قشتالة الداخلية شغلتها عن الاستفادة من فوزها . وزاد الاضطراب بعد مقتل أپو الحجاج يوسف سنة 755هـ ، الى أن استقر الوضع لابنه أبو عبد الله الغني بالله بعد سنة 763هـ . فاجتهد في الدفاع الهجومي ضد قشتالة ، والتعاهد مع المغرب وأرواغون ، والبناء والتشييد . وتابع ابنه أپو الحجاج يوسف سياسته . لكن بعد تولي ابنه أبو عبد الله محمد بن يوسف سنة 797هـ ( 1394م )، ومن بعده يوسف بن يوسف ، عادت قشتالة النصرانية إلى الاغارة على الأندلس التي قاومت دون مساندة ترجى من المغرب ، حتى احتلت انتقيرة سنة 812هـ ( 1409م ). وزادت الأوضاع سوءاً بعد أن خلف السلطان يوسف ابنه أبو عبد الله الأيسر سنة 820هـ ( 1417م )، فكثرت الثورات وتدخلت قشتالة في إضرامها . وفي سنة 831هـ ( 1428م )، خُلِعَ السلطان الأيسر بعد أن عجز عن الدفاع عن وادي آش ، ثم أعيد بعد فتن تدخلت فيها قشتالة وبنو سراج ، إلى أن خلع سنة 845هـ ( 1441م ) من طرف أپو عبد الله محمد الأحنف الذي رد غزوات النصارى إألى أن توفي سنة 836هـ ( 1458م )، وخلفه الأمير سعد بن محمد .

وفي هذه السنين المضطربة ، المليئة فتناً داخلية ، وحروباً متواصلة مع النصارى ، استنزفت مملكة غرناطة قواها ، وضاعت منها قلاع ومدن متعددة .

وأدى تفكك الأسرة المالكة الكامل ، وتشتت الطبقة المثقفة والحاكمة ، وعدم ورع الكثير ، من التعاون مع العدو النصراني القشتالي ضد خصمه المسلم ، إلى سقوط غرناطة ، بعد جهاد طويل متواصل دام قرابة القرنين . وهذه المرة توحدت القوى النصرانية في إرادتها للقضاء على الإسلام في الأندلس ، بينما لم يتمكن المغيث المغربي من عبور البحر ، خاصة بعد أن احتل النصارى للمرة الثانية جبل طارق سنة 867هـ ( 1462م )، وأحكموا قبضتهم على المضيق .

ففي سنة 865هـ ( 1463م ) ثار أپو الحسن علي على والده الأمير سعد وخلعه ، ودخل في حروب مع أخيه أبو عبد الله محمد الزغل الذي استغاث بالقشتاليين . فانقسمت المملكة الصغيرة ، إذ استقر الزغل في مالقة وما جاورها بمساندة القشتاليين ، وبقي أبو الحسن في غرناطة ، بينما توحدت مملكتا أراغون وقشتالة النصرانيتان بزواج فرديناند أراغون وايسابيلار قشتالة سنة 879هـ ( 1474م ). وحاول أبو الحسن سنة 883 هـ تجديد الهدنة مع قشتالة وأرغون المتحدتين ، فوافق النصارى شرط أن يعترف بطاعتهم ، ويؤدي الجزية له . وعند رفضه اشتعلت الحرب من جديد بين غرناطة والنصارى .

وكان أپو الحسن أسير ملذاته وهواه . فتزوج فتاة نصرانية اسمها ثريا ، وهي ابنة قائد قشتالي اسمه سانشودي سوليس ، وولد منها سعد ونصر ، وأهمل ابنة عمه وولديها منه أبي عبد الله محمد ( الريشيكو ) وأبي الحجاج يوسف ، ثم اعتقلهم في برج قمار بيش بقصر الحمراء . فعندما فروا من السجن ، اغتنم النصارى الفرصة لإشعال حرب أهلية بين أپي عبدالله ووالده ، واحتلال المزيد من الأراضي الإسلامية . فأغاروا على حامة غرناطة في محرم سنة 887هـ ( 1482م ) واحتلوها ، ثم زحفوا على لوشة فردهم أبو الحسن ، لكن أهل غرناطة عزلوه وبايعوا ابنه أبي عبدالله .

ثم هاجم النصارى الزغل في مالقة في صفر سنة 888هـ ( 1483م )، فهزمهم وردهم عنها . وحاول أپو عبدالله استرجاع بعض الحصون من يد النصارى ، فوقع في قبضتهم خارج قلعة اللسانة . فاغتنم الملك فرناندو والملكة ايسابيلار تلك الفرصة لإذكاء الحرب الأهلية ، بين أبي عبدالله وعمه الزغل ، الذي بايعه أهل غرناطة بعد سقوط أپي عبدالله في الأسر . فوقع أبو عبدالله معهما معاهدة سرية يتعهد فيها بالولاء لهما ، ودفع جزية سنوية ، وترك ابنه رهينة لديهما ، مقابل مساعدتهما له على استرجاع ملكه . فأفرجوا عنه في شوال سنة 890هـ ( أوائل 9/1485م )، وتابعوا غزوهم لمدن وقرى مملكة غرناطة ، أهمها مدينة رندة في 5/890هـ ( 4/1485م ).

واشتعلت الحرب الأهلية في قاعدة غرناطة نفسها ، يدعو فيها الزغل إلى الجهاد ضد النصارى ، بينما يعتقد أبو عبد الله أن السلامة في المفاوضات السلمية ، اتفق بعدها المتحاربان على اقتسام المملكة بينهما ، يختص فيها أبو عبدالله بغرناطة ومالقة والمرية والمنكب ، ويختص الزغل بالمناطق الشرقية . لكن النصارى تابعوا تقدمهم ، فاحتلوا لوشة في 26/5/891هـ ( 5/1486م ) وأسروا أبا عبد الله مرة ثانية ، ثم أطلقوا سراحه في شوال من نفس السنة ، وأمدوه بالعدة والرجال ليحارب عمه . وركزوا بعد ذلك على احتلال الأراضي التي بيد الزغل المرابض في وادي آش بينما تظاهروا بمسالمة الأراضي الموالية لأبي عبد الله . فاحتلوا بلش مالقة في 5/892 هـ ( 4/1487م )، ثم مالقة في أواخر شعبان عام 892هـ ( أغسطس عام 1487م ) بعد مقاومة مستميتة . فأمر الطاغية باسترقاق جميع أهلها الذين نجوا من القتل . ثم احتل النصارى باقي أراضي الزغل ، ودخلوا عاصمته ، وادي آش ، في أوائل 2/895هـ ( 30/12/1489م )، وهاجر الزغل إلى تلمسان بالجزائر .

ولم يبق على النصارى للقضاء على دولة الإسلام في الأندلس ، سوى الاستيلاء على ما بيد أپي عبد الله . ففي أوائل 2/895هـ ( 1/1490م ) أرسل فرناندو سفارة إلى أبي عبد الله يطلب منه الاستسلام . وبعد رفضه ، تهيأت غرناطة لحصار طويل ، وخرج إليها الطاغية في جيش ضخم في ربيع سنة 895هـ ( 1490م ) فهاجم مرج غرناطة ، ولكن ثورة أهل البشرات وتحرير بعض معاقلها كأندرش ، أرغمته على الرجوع . ثم عاد بجيش ضخم إلى حاضرة غرناطة ووصلها في 12/6/896هـ (23/4/1491م )، وبنى قربها مدينة " سانتافي "، ثم أحكم حولها الحصار . وبعد أن يئس الغرناطيون من إمكانية الدفاع ، ابتدأت المفاوضات التي انتهت بتوقيع معاهدة الاستسلام بتاريخ 21/1/890هـ ( 25/11/1491م ).

تضمنت هذه الوثيقة 27 مادة ، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25/1/1492م للملكين الكاثوليكيين ، وتضمن المواد الأخرى حقوق المسلمين الأندلسيين بعد دخولهم في حكم النصارى ، واحترام دينهم وعاداتهم ، وعدم مصادرة أسلحتهم ، وعدم إجبارهم على وضع شارات خاصة ، وعدم استخدامهم دون رغبتهم ، واحترام مساجدهم وعلمائهم ، وضمان الحكم بينهم بالشريعة الإسلامية ، وضمان الأوقاف الإسلامية وإدارتها بيد فقهائهم ، وعدم إرغام أحد منهم على اعتناق النصرانية ، والحفاظ على امتيازات ****هم، الخ...

وقد ذيلت المعاهدة بتأكيد من الملكين الكاثوليكيين ، ضامنين بدينهما وشرفهما القيام بكل ما يحتويه العقد . ثم ذيلت بتأكيد جديد موقع من ولي العهد ، وسائر عظماء المملكة الأسبانية ، باحترام المعاهدة من الآن وإلى الأپد . وفي نفس اليوم الذي وقعت فيه معاهدة تسليم غرناطة ، أبرمت معاهدة أخرى سرية ، يضمن فيها الطاغية وزوجه حقوق وامتيازات ، ومنح السلطان أبي عبدالله وأفراد أسرته وحاشيته حق ملكية أبدية لمنطقة البشرات حول أندرش وعذرة ، ومنحة قدرها ثلاثون ألف جنبيه قشتالي ، وأن يحتفظ بأملاك أبيه أبي الحسن، الخ...(4).

وقرر السلطان أبو عبد الله ورجاله تسليم غرناطة قبل التاريخ المتفق عليه ، بعد أن خاف من غضب شعب غرناطة ، فاتفق أن يكون التسليم بتاريخ 2/1/1492م. وهكذا سلمت الحاضرة الإسلامية بقصورها ، وأرباضها ، ومساجدها ، وأسواقها ، ومدارسها ، وأهلها ، للعدو الحاقد في يوم مشؤوم ، وصفه القشتاليون في كتبهم وصفاً دقيقاً . وكان أول عمل قام به الكاردينال عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها ، وترتيل صلاة " الحمد " الكاثوليكية . وانتقل أبو عبد الله وأهله ، بعد أن أكد ولاءه للملكين الكاثوليكيين ، إلى أندرش حيث كان مقامه إلى حين .

وهكذا انقرضت دولة الإسلام في الأندلس .

المراجع والمصادر /

1- الموضوع مستل من كتاب الصحوة الاسلامية في الاندلس اليوم / جذورها ومسارها . للدكتور علي المنتصر الكتاني .

2 - Olague "La Revolucion lslamica en Occidente" Espana .

3 - محمد عبد الله عنان ، " نهاية الأندلس " ، القاهرة ( مصر )، 1966م .

4 - محمد عبده حتاملة ، " التنصير القسري لمسلمي الأندلس في عهد الملكين الكاثلوييكين "، عمان ( الأردن )، عام 1980م

منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .



رد مع اقتباس