بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم الفاضل / المحرر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فإنه قد أشبع البلدانيين السابقين جزيرة العرب بحثاً وتفصيلاً إلا أن المتأخرين لم يصلوا إلى ما وصل إليه الأوئل رغم وجود ثورة الطباعة والتكنلوجيا الحديثة متمثلة في المعاجم لجل البلاد السعودية لأن بعضهم لا يرى الإستدلال بالشعر النبطي تاريخيا أو جغرافيا ومن رأى ذلك لم يكن راوية له ولم يتتبعه كما يجب وقد تعرض الأوائل للجزيرة العربية وكتبوا عن عدودها ومأهولها دراسات طويلة ومتعددة من وجهات نظر اختلفت باختلاف منطلقات أصحابها ومواقفهم حتى ظن البعض أنه لم يعد مزيد للمستزيد ولا جدوى من التكرار ولا فائدة من طرق درب مطروق سلكه باحثون كثيرون وللبحث عن الحقيقة فقد انصرفنا إلى المزيد من الاستقصاء عن هذا الموضوع للتثبت والتأكد من حقيقتـه فوجدنـا أن جميع تلك الدراسات والبحوث القديمة كانت تتألف من إشارات عابرة وأشتات مبعثرة وشذرات متفرقة ثم إننا لحظنا أن كثيراً من الحقائق الأساسية قد بقيت خافية مجهولة بعيدة عن الأنظار غائبة عن الأذهان دفينة في أوراق علاها الغبار وصدور طواها النسيان دون أن تقع عليها عين أو سمع أو تمتد إليها يد باحث جاد وفي الحقيقة لا يخلو الاختيار لهذا الموضوع من مصاعب ومتـاعب وأن الباحث الجاد سيجد معوقات كثيرة متمثلة في عدم وجود دراسة خاصة غطت كل جوانب بلاد القبيلة في العصور المتأخرة وحياتها وتاريخها وموروثها كما يجب وقد ألمـحنا سابقا إلى أن المعلومات عنها تختلف عن غيرها ممن كانوا قبلها والذين تجد المعلومات عنهم مبعثرة في ثنايا بعض المصادر التاريخية والأدبية والجغرافية القديمة وليس العثور عليها وجـمعها وصياغتـها بالأمر الهين كما يعتقد البعض فضلاً عمّا هو محفوظ في صدور الرجال مما سمعوه من أسلافهم في وقت كان يعز فيه التدوين لا سيما وأن المـحفوظ خاضع للزيادة والنقصان وربما لتحريف الحقائق فكم من خبر متواتر لا صحة له وكما قيل : ( وما آفة الأخبار إلا رواتـها ) والمتتبع لمجريات الأوضاع القبلية في الجزيرة العربية يرى في هذه المناطق حصول كثير من التبدلات في ديار القبائل وتجمعاتها أو تفرقها وتفرعها وفي تشتتها واندماجها مما أدى إلى تغيير جوهري في الخريطة القبائلية إن صحت التسمية فالحروب وعقد الصلح وقوة الشخصية والفتن والأحقاد والمـحالفات الجديدة وربما يكون البحث عن المراعي والهيمنة على منابع المياه وتصادم الشخصيات كل هذه العوامل تؤدي إلى النـزوح والهجرة وفي الوقت السابق ما كانت تمر سنيات دون أن يتعدل خلالها انتشار القبائل أو تجمهرها فهي دائما في حالة بناء لكيانـها وهدم لكيانات أخرى واستقرار البدوي ليس بالاستقرار الذي يعرفه أهل الحاضرة بل استقرار مؤقت مرهون بأي طارئ يستدعي الرحيل سواء للغزو أم طلباً للمراعي الخصبة وإن الهدف الذي نريد التوصل إليه من خلال كلامنا هذا هو أيـن نضع قبيلة سبيع بن عامر الغلباء ؟ وأين نجد موقعها من خلال النظر إلى الخريطة القبائلية ؟ وقد أشرنا سابقاً إلى أن البلدانيين السابقين تتبعوا الجزيرة العربية بحثا وتفصيلا أما كثيراً من الكتاب والباحثين والمؤرخين المتأخرين فقد أشغلتهم وحيّرتهم منازل وعدود القبائل العربية وقد أشبعوا كتبهم وبحوثهم بتعليلات أغلبها عليلة وسقيمة بعيدة عـن الحقيقة والواقع ومع كل الأسف فإني أراهم قد أضاعوا وقتهم عبثاً بذكر مالا ينبغي ذكره حيناً وحيناً بذكر ما لا يجدي نفعاً وقد تأكدت أن بعض الباحثين لا تتوفر عنده النية الحسنة كما لمست أن روح المنافسة التي أدت إلى الحقد والحسد قد طغت على جل كلماتهم التي قالوها كما لاحظت أن منهم من دفعه أشخاص لهم أغراض ومقاصد خبيثة الغاية منها إشعال نار الفتنة وبذر الخلاف والشكوك من أجل فرق تسد واعتمادا على الكذب لمصلحة شخصية مبنية على أمجاد لهم يريدون أن يدمجوا فيها الوهم بالحقيقة ولا يريدون أن يعارضهم أحدا مهما كان وقديما قيل : بــ [ أن الطباع سراقة وأن الصاحب ساحب ] ونحن ننـزه أقلامنا ونترفع ونتعفف عن ذكرهم وذكر ما احتوته أقوالهم وبحوثهم من دسائس وتزييف للحقائق وطعن في غيرهم ممن كانوا مؤهلين لدورهم القيادي الإصلاحي برصيد غني من الخبرة فقادوا قبائلهم بكل نبل وشهامة نحو الفضيلة والشرف لمصارعة الرذيلة بمختلف أشكالها والزعامة العامة لا تلغي أو تنفي وجود زعامات لكل فرع من فروع القبيلة المتعددة بحسب العرف القبلي السائد قديما علما أن العرف القبلي معقد جداً وصارم جداً في الوقت نفسه فـالزعامة في عرف المـجتمع القبلي السابـق ليسـت وراثية بــل مبنية على مواصفات محددة تتوفر في شخص محدد وبعيدا عن الهمز واللمز والغمز ففي من سموا بكبار البخوت وساع البشوت وبثقلة أهل العليا دليل كاف على أصالة أصلهم ورفيع نسبهم وعلو مقامهم وبروز دورهم في القبيلة وهم في الحقيقة كذلك وأكثر ونقول للخصوم هداهم الله وأرشدهم إلى الحق وردهم إليه ردا جميلا كما قال الشاعر :-
وما عبّر الإنسان عن فضل نفسـه
= بمثل اعتقاد الفضـل في كل فاضلِ
وليس من الإنصاف أن يدفع الفتى
= يد النقــص عنه بانتقاص الأفاضلِ
ويقول الأستاذ / عبدالجبار الراوي بكتابه الشيّق ( البادية ) ص : 95 : لقد سمعت ممن يوثق بـهم أن أحد رؤساء العشائر قد راجع صاحب الجلالة الملك / فيصل الأول الشريف رحمه الله وأسكنه فسيح جناته طالباً منه أن يعينه شيخاً لعشيرته فأجابه قائلاً : ( كبّر صحنك يا ولدي ) أي أكثر كرمك للضيوف انظر أخي القارئ إلى هذا الرد البليغ فلربمـا أن هذا الرجل كان يتصف بكل مواصفات المشيخة إلا أنه ليس بكريم وهناك بعض الأقاويل في المداخلات على هذا الموضوع لا يلتفت إليها لأنها أباطيل من تخرصات خالطي الأوراق لإضاعة الحقائق وليقل المغرضون ما شاءوا فإذا كانت هذه كلها أباطيل وتخرصات فأين هي الحقيقة يا ترى ؟ إذن فالحقيقة هي ما جاء في صلب الموضوع المؤصل رضي من رضي وغضب من غضب وما أردت فيه إلا تبيان الحقيقة والتي يسعى البعض هداه الله لطمسها وكما يقال : فإنّ الحقيقة بنت البحث لذا سألت الله تعالى أن يعينني في بحثي هذا عن الحقيقة قبل البدء به وما جاء في صلب الموضوع يتطابق ويتفق تماما مع مرويات أهل البادية والحاضرة النجدية من جميع القبائل والتي نطقت بها أشعارهم وتواترت في موروثهم هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .