Untitled 1
 
  افضل فني كهرباء منازل في تبوك (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 726 )           »          نظام معلومات الموارد البشرية (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2041 )           »          خدمات إدارة الأملاك (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2297 )           »          مميزات التداول مع شركة Trade 360 (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6143 )           »          من هو فواز الحكير (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6222 )           »          التوقعات المستقبلية لسهم باعظيم (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6151 )           »          شركة عزل: الحماية التي تدوم (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6443 )           »          حكم الاستثمار في تداول سيرا (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7259 )           »          اختيار افضل شركة وساطة (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8348 )           »          حكم تجارة البيتكوين في العراق (اخر مشاركة : ارينسن - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8692 )           »         
 

 
العودة   منتديات سبيع الغلباء > المنتديات الـعـامـة > المنتدى الإسلامي
 

المنتدى الإسلامي فتاوى ، مقالات ، بحوث اسلامية لكبار العلماء وستجد ايضا معلومات عن الفرق الضالة والأديان بما في ذلك الديانة النصرانية واليهودية والمجوسية وغيرها


باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

فتاوى ، مقالات ، بحوث اسلامية لكبار العلماء وستجد ايضا معلومات عن الفرق الضالة والأديان بما في ذلك الديانة النصرانية واليهودية والمجوسية وغيرها


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 1 )
الهضيبي الحريق
عضو مميز
رقم العضوية : 39310
تاريخ التسجيل : 21 - 10 - 2009
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 561 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الهضيبي الحريق is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 20 - 11 - 2009 ]

باب في المصيبة و حقيقتها و ما أعد الله لمسترجعها

قال الله تعالى : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : نعم العدلان و نعمت العلاوة . " أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة " الآية . ذكره البخاري تعليقاً .

و قال تعالى : " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله و من يؤمن بالله يهد قلبه " . قال علقمة وجماعة من المفسرين : هي المصائب تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيرضى و يسلم و الآيات في هذا الباب كثيرة .

قال أهل اللغة : يقال مصيبة و مصابة و مصوبة . قالوا : وحقيقته الأمر المكروه يحل بالإنسان . و قال القرطبي : المصيبة كل ما يؤذي المؤمن و يصيبه . .

و في صحيح مسلم " من حديث أبي سعيد و أبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما يصيب المؤمن من وصب و لا نصب و لا سقم و لا حزن ، حتى الهم يهمه ، إلا كفر الله به من سيئاته

و الوصب : المرض ـ و النصب : التعب .

و في الصحيحين " عن عروة ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز و جل بها عنه حتى الشوكة يشاكها " .

و قال الإمام أحمد : ، عن أم سلمة ، قالت : أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم قولاً سررت به ، قال : لا تصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول : اللهم اؤجرني في مصيبتي ، و أخلف لي خيراً منها ، إلا فعل ذلك به . قالت أم سلمة : فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت في مصيبتي و قلت : اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منه ـ وفي لفظ : خيراً منها ـ ثم رجعت إلى نفسي و قلت : من أين خير لي من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي ، استأذن علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأنا أدبغ إهاباً لي ، فغسلت يدي من القرظ و أذنت له ، فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف ، فقعد عليها ، فخطبني إلى نفسي ، فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ، ما بي أن لا تكون بك الرغبة ، و لكني امرأة في غيرة شديدة ، فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني الله به ، و أنا امرأة قد دخلت في السن ، و أنا ذات عيال ، فقال : أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز و جل عنك ، و أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل ما أصابك ، و أما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي ، قالت : فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه و سلم . فتزوجها رسول الله " ، فقالت أم سلمة بعد : أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه :

.
فصل ـ في كلمة إنا لله و إنا إليه راجعون

و قد جعل الله كلمات الإسترجاع ـ و هي قول المصاب : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ملجأً و ملاذاً لذوي المصائب ، و عظمةً للممتحنين من الشيطان ، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة ، فيهيج ما سكن ، و يظهر ما كمن ، فإذا لجأ إلى هذه الكلمات الجامعات لمعاني الخير و البركة ، فإن قوله : " إنا لله " توحيد و إقرار بالعبودية و الملك ، و قوله " و إنا إليه راجعون " إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا ، فهو إيمان بالبعث بعد الموت و هو إيمان أيضاً بأن له الحكم في الأولى و له المرجع في الأخرى ، فهو من اليقين ، إن الأمر كله لله فلا ملجأ منه إلا إليه

و روى مسلم في صحيحه من " حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ، اللهم اؤجرني في مصيبتي و أخلف لي خيراً منها " الحديث

و قد تقدم معنى هذا الحديث من طريق أخرى ، " عن ابن سفينة مولى أم سلمة ، عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : " إنا لله و إنا إليه راجعون " ، اللهم اؤجرني في مصيبتي ، و أخلف لي خيراً منها ، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " ، قالت : فلما توفي أبو سلمة ، قلت : من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : ثم عزم لي فقلتها ، فتزوجت رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و المقصود : أن هذا تنبيه على قوله تعالى : " و بشر الصابرين " ، إما بالخلف ، كما أخلف الله تعالى لأم سلمة ، بدل زوجها أبي سلمة ، رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حين تبعت السنة ، و قالت ما أمرت به ممتثلة طائعة إن البر كله والخير فيما قاله الله ورسوله ، و إن الضلال و الشقاء في مخالفة الله و رسوله ، فلما علمت ـ رضي الله عنها ـ أن كل خير في الوجود إما عام و إما خاص ، فهو من جهة الله و رسوله ، و أن كل شر في العالم ، أو كل شر مختص بالعبد ، فسببه مخالفة الله و رسوله ، فلما قالت هذه الكلمات ، حصل لها مرافقة الرسول في الدنيا و الآخرة

و قد يحصل العبد بكلمات الاسترجاع منزلة عالية و ثواباً جزيلاً ، كما في حديث أبي موسى و فيه : فيقول الله تعالى لملائكته : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك و استرجع ، فيقول الله تبارك : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة و سموه بيت الحمد " . و قد تقدم الاسترجاع في المصيبة وأن قائله ، عليه الصلوات من ربه و الرحمة ، و هو من المهتدين . و قول عمر : نعم العدلان و نعمت العلاوة ، وأنه أراد بالعدلين الصلوات ، و الرحمة ، و بالعلاوة الهداية ، و الله أعلم . و قيل : المراد استحقاق الثواب ، و تسهيل المصاب ، و تخفيف الحزن ، " أولئك عليهم صلوات من ربهم " ، فالصلاة من الله الرحمة ، و من الملائكة الاستغفار ، و من الآدمي التضرع و الدعاء . و قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة ، و صلاة الملائكة الدعاء . و ظاهر الآيه ـ و الله أعلم ـ أن الصلاة من الله غير الرحمة ، فإنه تعالى عطف الرحمة على الصلاة فعلم التغاير


فصل ـ و من أعظم المصائب المصيبة في الدين
و من أعظم المصائب : المصيبة في الدين ، فهي من أعظم مصائب الدنيا و الآخرة ، و هي نهاية الخسران الذي لا ربح معه ،و الحرمان الذي لا طمع معه

وقد حكى ابن أبي الدنيا عن شريح أنه قال : إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات و أشكره ، إذ لم تكن أعظم مما هي ، و إذ رزقني الصبر عليها ، و إذ وفقني الاسترجاع لما أرجوه فيه من الثواب ، وإذ لم يجعلها في ديني .

و من أعظم المصائب في ا لدين ، موت النبي صلى الله عليه و سلم ، لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم ، لأن بموته صلى الله عليه و سلم انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة ، و انقطعة النبوات ، و كان موته أول ظهور الشر و الفساد ، بارتداد العرب عن الدين ، فهو أول انقطاع عرى الدين و نقصانه ، و فيها غاية التسلية عن كل مصيبة تصيب العبد ، قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، حتى أنكرنا قلوبنا . رواه ابن ماجه

روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده ، " من حديث عطاء بن أبي رباح مرسلاً ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي ، فإنها من أعظم المصائب " .

و لقد أحسن أبو العتاهيه في نظمه موافقاً لهذا الحديث ، حيث يقول

اصبر لكل مصيبة و تجلد و اعلم بأن المرء غير مخلد

أو ما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصد

من لم يصب ممن ترى بمصيبة هذا سبيل لست عنه بأوحد

فإذا ذكرت محمداً و مصابه فاجعل مصابك بالنبي محمد
وفي رواية :
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد .

و المقصود أن المصائب تتفاوت ، فأعظمها المصيبة في الدين ـ نعوذ بالله من ذلك ـ هي أعظم من كل مصيبة يصاب بها الإنسان ، يؤيد ذلك أنه قد جاء في بعض الآثار ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " المسلوب من سلب دينه ، والمحروم من حرم الأجر " . ثم بعد مصيبة الدين المصيبة في النفس ، ثم في المال ، أما المال فيخلفه الله تعالى و هو فداء الأنفس ، و النفس فداء الدين ، و الدين لا فداء له . قال تعالى : " ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير


فصل ـ في أن يوطن الإنسان نفسه على توقع المصائب و أنها بقضاء الله و قدره
و مما يسلي المصاب : أن يوطن نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله و أنها بقضائه و قدره ، و أنه سبحانه و تعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بها و لا ليعذبه ، و إنما ابتلاه ليمتحن صبره و رضاه ، و شكواه إ ليه و ابتهاله و دعاءه ، فإن وفق لذلك كان أمر الله قدراً مقدوراً ، و إن حرم ذلك كان ذلك خسراناً مبيناً .

قال أبوالفرج بن الجوزي : علاج المصائب بسبعة أشياء :

الأول ـ أن يعلم بأن الدنيا دار ابتلاء ، و الكرب لا يرجى منه راحة

الثالث ـ أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة

الرابع ـ النظر في حال من ابتلي بمثل هذا البلاء ، فإن التأسي راحة عظيمة

قالت الخنساء :

و لولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي و لكن أعزي النفس عنه بالتأسي

الخامس ـ النظر في حال من ابتلي أكثر من هذا البلاء فيهون عليه هذا

السادس ـ رجاء الخلف ، إن كان من مضى يصح عنه الخلف كالولد و الزوجة

قيل للقمان عليه السلام : ماتت زوجتك ؟ قال : تجدد فراشي

قال الشاعر

السابع ـ طلب الأجر بالصبر في فضائله و ثواب الصابرين و سرورهم في صبرهم ، فإن ترقى إلى مقام الرضى فهو الغاية .

الثامن ـ أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له

التاسع ـ أن تعلم أن تشديد البلاء يخص الأخيار

العاشر ـ أن يعلم أنه مملوك و ليس للمملوك في نفسه شيء

الحادي عشر ـ أن هذا الواقع وقع برضى المالك ، فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد

الثاني عشر ـ معاتبة النفس عند الجزع مما لابد منه ، فما وجه الجزع مما لابد منه ؟

الثالث عشر ـ إنما هي ساعة فكأن لم تكن


فصل ـ في أن المصائب و المحن دواء للكبر و العجب
و ليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا و مصائبها ، لأصاب العبد من أدواء الكبر و العجب و الفرعنة و قسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً و آجلاً، فمن رحمة أرحم الراحمين ، أن يتفقده في الأحيان ، بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ، و حفظاً لصحة عبوديته ، و استفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة ، فسبحان من يرحم ببلائه، و يبتلي بنعمائه . كما قيل

قد ينعم الله بالبلوى، و إن عظمت

و يبتلي الله بعض القوم بالنعم

فلولا أنه سبحانه و تعالى يداوي عباده بأدوية المحن و الابتلاء ، لطغوا و بغوا و عتوا و تجبروا في الأرض ، و عاثوا فيها بالفساد ، فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر و نهي ، و صحة و فراغ ، و كلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها ، تمردت و سعت في الأرض فساداً مع علمهم بما فعل بمن قبلهم ، فكيف لو حصل لهم مع ذلك إهمال ؟ ! و لكن الله سبحانه و تعالى ، إذا أراد بعبده خيراً ، سقاه دواءً من الابتلاء و الامتحان على قدر حاله ، و يستفرغ منه الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه و نقاه و صفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا و هي عبوديته ، و رقاه أرفع ثواب الآخرة و هي رؤيته




فصل ـ في أن الأفضل إبدال الشكوى و الأنين بذكر الله تعالى

ينبغي للمصاب بنفسه ، أو بولده ، أو بغيرهما ، أن يجعل في المرض مكان الأنين ذكره الله تعالى ، و الاستغفار و التعبد ، فإن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يكرهون الشكوى إلى الخلق ، و هي و إن كان فيها راحة ، إلا أنها تدل على ضعف و خور ، و الصبر عنها دليل قوة و عز ، و هي إشاعة سر الله تعالى عند العبد ، و هي تأثر شماتة الأعداء و رحمة الأصدقاء .

و ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو ، قال : دخلنا على ورقاء بن عمر و هو في الموت ، فجعل يهلل و يكبر و يذكر الله عز و جل ، و جعل الناس يدخلون عليه و يسلمون عليه ، فيرد عليهم السلام ، فلما كثروا عليه ، أقبل على ابنه فقال : يا بني ، اكفني رد السلام على هؤلاء ، لا يشغلوني عن ذكر ربي عز و جل .

و عن أبي محمد الحريري ، قال : حضرت عند الجنيد ، قبل وفاته بساعتين ، فلم يزل تالياً و ساجداً ، فقلت له : يا أبا القاسم ، قد بلغ ما أرى من الجهد ، فقال : يا أبا محمد ، أحوج ما كنت إليه هذه الساعة ، فلم يزل كذلك حتى فارق الدنيا .

و قد روي في حديث ، أن إبليس لا يكون في حال أشد منه على ابن آدم عند الموت ، يقول لأعوانه : دونكموه ، فإنه إن فاتكم اليوم ، لم تلحقوه .

و اعلم ـ رحمك الله ـ أن الأعمال بخواتيمها ، فإنه ربما أضله في اعتقاده ، و ربما حيل بينه و بين التوبة ، و غير ذلك مما هو محتاج إليه ، و ربما وقع منه الاعتراض على القضاء و القدر ، فينبغي للمصاب بنفسه أو بغيره ، أن يعلم أو يعلم بغيره ، أنها صبر ساعة ، فيتجلد و يحارب العدو جهد طاقته ، فبصدقه تحصل له عليه الإعانة من الله ، و يعلم أيضاً ، أن التشديد عليه أو على غيره في النزع ، هو في الغالب من كرامة العبد على الله عز و جل ، فإن أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل و الأمثل ،.

و عن ثابت ، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنهم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على شاب و هو في النزع ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : أرجو الله و أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرضى أو أمنه مما يخاف

و في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشده

و في قصة يونس عليه السلام لما تقدم له عمل صالح . قال : " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " ، ولما لم يكن لفرعون عمل خير قط ، لم يجد وقت الشدة متعلقاً ، فقيل له : " آلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين " ، فمن ضيع الله في صحته فإنه يضيع في مرضه ، و الله أعلم


فصل ـ في أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها
و ليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها ، و هو في الحقيقة يزيد في مصيبته ، بل يعلم المصاب أن الجزع يشمت عدوه ، و يسوء صديقه ، و يغضب ربه ، و يسر شيطانه ، و يحبط أجره ، و يضعف نفسه . و إذا صبر و احتسب أخزى شيطانه ، و أرضى ربه ، و سر صديقه ، و ساء عدوه ، و حمل عن إخوانه و عزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات في الأمر الديني ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر " .

فهذا هو الكمال الأعظم ، لا لطم الخدود و شق الجيوب ، و الدعاء بالويل و الثبور ، و التسخط على المقدور .

قال بعض الحكماء : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ، و من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم ، يريد بذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى " .

و قال الأشعث بن قيس : إنك إن صبرت إيماناً و احتساباً ، و إلا سلوت كما تسلو البهائم .

بل يعلم المصاب أن ما يعقبه الصبر و الاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه و استرجاعه على مصيبته ، فلينظر أي المصيبتين أعظم ، مصيبته العاجلة بفوات محبوبه ، أو مصيبته بفات بيت الحمد في جنة الخلد ؟

و في الترمذي مرفوعاً : يود ناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء

قال يحيى بن معاذ ابن آدم ، مالك تأسف على مفقود لايرده عليك الفوت ؟ مالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟

وكانت امرأة من العابدات بالبصرة ، تصاب بالمصائب فلا تجزع ، فذكروا لها ذلك ، فقالت : ما أصاب بمصيبة فأذكر معها النار ، إلا صارت في عيني أصغر من الذباب

فصل ـ في أن من سلم أمره في مصيبته و احتسب لله عوضه خيراً منها

و مما يسلي أهل المصائب : أن المصاب إذا صبر و احتسب ، و ركن إلى كريم ، رجاء أن يخلف الله تعالى عليه ، و يعوضه عن مصابه ، فإن الله تعالى لا يخيبه بل يعوضه ، فإنه من كل شيء عوض إلا الله تعالى فما عوض ، كما قيل :

من كل شيء إذا ضيعته عوض

و ما من الله إن ضيعته عوض

بل يعلم أن حظه من المصيبة ما يحدث له ، فمن رضي فله الرضى ، و من سخط فله السخط .

في مسند الإمام أحمد و الترمذي ، من حديث " محمود بن لبيد ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي الله فله الرضى ، و من سخط فله السخط " زاد الإمام أحمد : و من جزع فله الجزع .

فأنفع الأدوية للمصاب موافقة ربه و إلهه فيما أحبه و رضيه له ، و إن خاصية المحبة و سرها موافقة المحبوب ، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، و أحب ما يسخطه ، فقد شهد على نفسه بكذبه ، و أسخط عليه محبوبه

قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به


باب في البكاء على المصيبة و ما ذكر العلماء في ذلك
" عن ابن عمر قال : اشتكى سعد بن عباده شكوى له ، فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن مسعود ، فلما دخل عليه ، فوجده في غاشية ، فقال : قد قضى ؟ قالوا لا يا رسول الله ، فبكى النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله بكوا ، فقال : ألا تسمعون ، أن الله لا يعذب بدمع العين و لا بحزن القلب ، و لكن يعذب بهذا ـ و أشار إلى لسانه ـ أو يرحم " رواه البخاري ،

" و عن أسامة بن زيد ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم ، فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه ، و تخبره أن صبياً أو ابناً لها في الموت ، فقال الرسول : ارجع إليها فأخبرها أن لله عز و جل ما أخذ ، و له ما أعطى ، و كل شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها لتصبر و لتحتسب ، فعاد الرسول فقال إنها قد أقسمت لتأتينها . قال : فقام النبي صلى الله عليه و سلم ، و قام معه سعد بن عبادة ، و معاذ بن جبل ، و أبي بن كعب ، و زيد بن ثابت ، و انطلقت معهم ، فرفع إليه الصبي و نفسه تقعقع ، كأنها في شنة ، ففاضت عيناه ، فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، و إنما يرحم الله من عباده الرحماء " رواه البخاري و مسلم

و قد جاء في آثار جمة " أنه صلى الله عليه و سلم زار قبر أمه فبكى و أبكى من حوله

. .


فصل ـ فيما روي على النبي صلى الله عليه و سلم في البكاء على الميت
و قد ذكر بعض العلماء أن البكاء الذي روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه فعله و أباحه ، أو أمر به للاستحباب ، هو البكاء الذي هو دمع العين و رقة القلب و رحمته ، و الذي نهى النبي صلى الله عليه و سلم عنه ، و هو البكاء ـ بالمد ـ الذي يستلزم الصراخ و الندب و العويل . و يشهد لهذا قوله : " ما كان من العين و القلب فمن الله عز و جل ، و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان ، و نهى عن رنة الشيطان " و هو رفع الصوت عند المصيبة


فصل ـ في التحذير مما يتفوه به المصاب من ألفاظ التظلم و الشكوى
و ليحذر العبد كل الحذر ، أن يتكلم في حال مصيبته و بكائه ، بشيء يحبط به أجره ، و يسخط به ربه ، مما يشبه التظلم ، فإن الله تعالى عدل لا يجور و عالم ل يضل و لا يجهل ، و حكيم أفعاله كلها حكم و مصالح ، ما يفعل شيئاً إلا لحكمة ، فإنه سبحانه له ما أعطى ، و له ما أخذ ، لا يسأل عما يفعل ، و هم يسألون ، و هو الفعال لما يريد ، و القادر على ما يشاء ، له الخلق و الأمر . بل إنما يتكلم بكلام يرضي به ربه و يكثر به أجره ، و يرفع الله به قدره


باب تحريم الندب و النياحة و شق الثياب
الندب : اسم للبكاء على الميت و تعداد محاسنه ، قاله الجوهري ، و الاسم الندبة بالضم ، و قيل تعداد شمائل الميت ، فيقال : و اكريماه و اجبلاه و الهفاه . و النوح : قال القاضي عياض : هو اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات .

و اعلم ـ رحمك الله ـ أن المطلوب في المصيبة السكون و الصبر ، و الرضا بقضاء الله تعالى ، و الحمد و الاسترجاع ، و الصدقة عن المصاب به و الدعاء له ، و أما الندب و النياحة ، و شق الجيوب ، و لطم الخدود ، و قول المنكر ، كل هذا ينافي ما ذكر . .

و قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع العلماء على أن النياحة لاتجوز للرجال و لا للنساء

عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس منا من ضرب الخدود ، و شق الجيوب ، و دعا بدعوى الجاهلية " . رواه البخاري و مسلم

وعن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : " وجع أبو موسى وجعاً ، فغشي عليه ، و رأسه في حجر امرأة من أهله ، فأقبلت تصيح برنة ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً ، فلما أفاق قال : إني بريء ممن برئ منه محمد صلى الله عليه و سلم ، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة " . رواه البخاري

قوله : الصالقة يعني التي ترفع صوتها عند المصيبة ، و الحالقة : التي تحلق شعرها ، و الشاقة التي تشق ثوبها

" و عن أم عطية ، قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم عند البيعة ، أن لا ننوح " ، فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة ، أم سليم ، و أم العلاء ، و ابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، و امرأتان ، أو ابنة أبي سبرة و امرأة معاذ و امرأة أخرى . رواه البخاري ، و هذا لفظه ، و مسلم

" وعن أبي مالك الإشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، و الطعن في الأنساب ، و الاستسقاء بالنجوم ، و النياحة . و قال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب " انفرد باخراجه مسلم

وعن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الخامشة وجهها ، و الشاقة ثوبها ، و الداعية بالويل و الثبور " . رواه ابن ماجة




فصل ـ فيما ورد من عذاب الميت بالنياحة
" عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : الميت يعذب في قبره بما نيح عليه " ، و في رواية : " يعذب بما نيح عليه " . و لم يذكر في قبره رواه البخاري و مسلم. .


باب في وجوب الصبر على المصيبة
قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " و قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر و الصلاة إن الله مع الصابرين " و قال تعالى : " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " و الآيات التي فيها الأمر بالصبر كثيرة جداً معروفة .

قال الإمام أحمد : ذكر الله سبحانه و تعالى الصبر في القرآن في تسعين موضعاً

قال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه ، و احتسابه عند الله ، و رجاء ثوابه ، و قد يجزع الرجل ، و هو متجلد ، لا يرى منه إلا الصبر . و قد تقدم " حديث أبي زيد ، أسامة بن زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و إرسال بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن ابني قد احتضر فاشهد ، فأرسل يقرأ السلام ، ويقول : إن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر وتحتسب " الحديث . أمرها بالصبر

" و عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : مر النبي صلى الله عليه و سلم بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه ـ فقيل لها : إنه النبي صلى الله عليه و سلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه و سلم ، فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى " . رواه البخاري و مسلم . و " في رواية : تبكي على صبي لها . فقال : إنما الصبر عند أول صدمة " ، و هذا يشبه " قوله عليه الصلاة والسلام : ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " فإن مفاجئة المصيبة بغته ، لها روعة تزعزع القلب ، و تزعجه بصدمها ، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها ، و ضعفت قوتها ، فهان عليه استدامه الصبر ، كذلك الغضب

" و عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال : يقول الله عز وجل : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " . رواه البخاري

" وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الطاعون ، فأخبرها : أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ، فجعله الله رحمة للمؤمنين ، فليس من عبد ، يقع الطاعون ، فيمكث في بلده صابراً محتسباً ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد " رواه البخاري

قال شيخ الإسلام ابن تميمة : الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين ، و إنما اختلفوا في وجوب الرضا. انتهى كلامه . فالصبر واجب من حيث الجملة ، و لكنه يتأكد بحسب الأوقات فهو في زمن الطاعون آكد منه في غيره ، فإنه إذا صبر على الإقامة في البلد الذي وقع فيه الطاعون ، و صبر عند موت أولاده أو أقاربه أو أصحابه ، و صبر أيضاً عند مصيبته بنفسه ، و علم يقيناً أن الآجال لا تقديم فيها و لا تأخير ، و أن الله تعالى كتب الآجال في بطون الأمهات ، كما ثبت في الصحاح : كتب رزقه و أجله ، و شقي هو أم سعيد ، فلا زيادة ولا نقص إلا في صلة الأرحام ، ففيها خلاف معروف بين أهل العلم ، فإذا صبر واحتسب لم يكن له ثواب دون الجنة ، و إذا جزع ولم يصبرأثم و أتعب نفسه ولم يرد من قضاء الله شيئاً . و لقد ضمن الوافي الصادق الناطق في محكم كتابه حيث قال عن الصابرين : أنهم يوفون أجرهم بغير حساب . و أخبر أنه معهم بهدايته و نصرة العزيز و فتحه المبين ، فقال تعالى : " إن الله مع الصابرين " فذهب الصابرون بهذه المعية التي هي خير الدنيا و الآخرة ، و شارك بعض الأنبياء في قوله : " إنني معكما أسمع و أرى " و أخبر تعالى أن الصبر خير لأهله خبراً مؤكداً . فقال تعالى : " و لئن صبرتم لهو خير للصابرين " و أخبر أن الصبر مع التقوى لا يضر معه كيد الأعداء أبداً . فقال : " و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط


فصل : في علامات الصبر و رضا النفس عن قضاء الله تعالى
ومن علامات الصبر ، عدم مشقته على النفس عند ورود المصائب ، وكف الكف عن تمزيق الثياب و لطم الخدود ، و حبس اللسان عن الاعتراض على المقادير و التسخط ، و الامتناع من كل شيء يوجب إظهاره ، حتى إن السلف كرهوا الأنين

قال الحكماء : العاقل يفعل أول يوم ، ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام .

و قد قال عليه الصلاة والسلام للأشعث بن قيس : إنك إن صبرت إيماناً و احتساباً . و إلا سلوت كما تسلو البهائم


باب في الرضا بالمصيبة
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الرضا بالمصائب ، أشق على النفوس من الصبر ، و قد تقدم أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس ، و في جامع الترمذي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا أحب الله قوماً ابتلاهم ، فمن رضي ، فله الرضا، ومن سخط ، فله السخط

قال عمر بن عبد العزيز : أما الرضا ، فمنزلة عزيزة أو منيعة ، و لكن قد جعل الله في الصبر معولاً حسناً

و قال محمد بن إدريس الشافعي : حدثنا زهير بن عباد ، عن السري ابن حيان ، قال : قال عبد الواحد بن زيد : الرضا باب الله الأعظم ، و جنة الدنيا و سراج العابدين

و روى ابن أبي الدنيا بإسناده ، " عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : الصبر رضا " فهذا الحديث ، فيه بشارة عظيمة لأهل المصائب ، إذ سمى الصبر رضا ..

و ذكر ابن أبي الدنيا ، في قوله تعالى : " و من يؤمن بالله يهد قلبه " قال علقمة بن أبي وقاص : هي المصيبة ، تصيب الرجل ، فيعلم أنها من عند الله و يسلم لها و يرضى

و قال أبو عبد الله البراثي : من وهب له الرضا فقد بلغ أقصى الدرجات

و عن مصعب بن ماهان ، عن سفيان الثوري ، قال : في قوله تعالى" و بشر المخبتين " . قال : المطمئنين الراضين بقضائه المستسلمين له

فصل : في البكاء و الحزن الصامت لا ينافي الرضا و الصبر

و أما البكاء و الحزن من غير صوت و لا كلام محرم ، فهو لا ينافي الصبر و الرضا ، و قد تقدم لنا قريباً من ذلك . قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام : " و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم " قال قتادة : كظيم على الحزن ، فلم يقل إلا خيراً . مع قوله تعالى : " إنما أشكو بثي و حزني إلى الله " و قوله تعالى عنه في أول السورة : " فصبر جميل " و قد " جاء في أثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم : من بث لم يصبر " لكن يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من البكاء ، و لم يناف حزنه و بكاءه صبره ، فإنه عليه السلام ما شكا بثه و حزنه إلى مخلوق ، و إنما شكاه إلى الله

و روى حماد بن سلمة ، " عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه و سلم . قال : ما كان من العين و من القلب فمن الله و الرحمة ، و ما كان من اليد و اللسان فمن الشيطان

قال خالد بن أبي عثمان : مات ابن لي ، فرآني سعيد بن جبير مقنعاً ، فقال لي : إياك و التقنع ، فإنه من الاستكانة

و قال بكر بن عبد الله المزني : كان يقال : من الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة

و قال عبيد بن عمير : ليس الجزع أن تدمع العين و يحزن القلب ، و لكن الجزع القول السيئ ، و الظن السيئ


فصل ـ في أن الله تبارك و تعالى يختبر عباده بالمصائب
و الله تبارك و تعالى يبتلي عبده ، ليسمع شكواه و تضرعه و دعاءه و صبره و رضاه بما قضاه عليه ، فهو سبحانه و تعالى يرى عباده إذا نزل بهم ما يختبرهم به من المصائب و غيرها ، و يعلم خائنة أعينهم و ما تخفي صدورهم ، فيثيب كل عبد على قصده و نيته ، و قد ذم الله تعالى من لم يتضرع إليه و لم يستكن له وقت البلاء ، كما قال تعالى : " و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم و ما يتضرعون"

و العبد أضعف من أن يتجلد على ربه و لا يشكو إليه حاله ، فإنه إذا كان سادات الخلائق ، و هم الأنبياء المعصومون صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، قد أثنى الله تعالى عليهم حيث شكوا ما بهم إلى الله تعالى ، فقال تعالى عن بعضهم : " و ذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " و أثنى على أيوب بقوله : " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " ، و على يعقوب : " إنما أشكو بثي و حزني إلى الله " و على موسى بقوله : " إني لما أنزلت إلي من خير فقير " . " و قد شكا إليه خاتم أنبيائه و رسله بقوله : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، و قلة حيلتي ، و هواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين " الحديث المشهور في دعاء الطائف ، و هو دعاء عظيم ، فالشكوى إلى الله تعالى لا تنافي الصبر و لا الرضا ، بل إعراض العبد بالشكوى إلى غيره من جهله بخالقه و عدم رضاه و صبره بما ابتلاه الله تعالى به ، و الله تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه و يحب من يشكو ما به إليه

قيل لبعضهم : كيف تشتكي إلى من لا يخفى عليه خافية في الأرض و لا في السماء ؟ فقال :

قالوا : أتشكو إليه ما ليس يخفى عليه

فقلت : ربي يرضى ذل العبيد لديه






منقول باختصار من كتاب ( تسلية اهل المصائب )




بسم الله ابـد ومضي التوقيـع :
وسجل إعجابـي وتـوقيـعي :
ونا سبيعي وأفتخر في سبيـع :
لي الشرف يوم إني سبيعي :

الهضيبي . الحريق
رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 2 )
خيَّال الغلباء
وسام التميز
رقم العضوية : 12388
تاريخ التسجيل : 01 - 03 - 2007
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : نجد العذية
عدد المشاركات : 20,738 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 49
قوة الترشيح : خيَّال الغلباء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 21 - 11 - 2009 ]

الهضيبي الحريق جزاك الله خيراً ولا هنت


رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 3 )
نبع الوفاء
عضو مميز
رقم العضوية : 39083
تاريخ التسجيل : 04 - 10 - 2009
الدولة : ذكر
العمر : 34
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 728 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : نبع الوفاء is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 21 - 11 - 2009 ]

الهضيبي الحريق جزاك الله خير ونفع بك الاسلام والمسلمين

(""-._ لستُ مجبراً أن يفهم الاخرين من أنا _.-"")

فمن يمتلك مؤهلات العقل والقلب والروح "......." سأكون أمامهُ كالكتاب المفتــــــــــوح

صمتـــــــــي
لا يعني جهلي بما يدور حولي

لكـــــــــــــن
ربما من حولي لا يستحق الكلام
رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 4 )
الهضيبي الحريق
عضو مميز
رقم العضوية : 39310
تاريخ التسجيل : 21 - 10 - 2009
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 561 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الهضيبي الحريق is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 21 - 11 - 2009 ]

خيال التوحيد جزاك الله خيراً وبارك فيك على مرورك المميز



بسم الله ابـد ومضي التوقيـع :
وسجل إعجابـي وتـوقيـعي :
ونا سبيعي وأفتخر في سبيـع :
لي الشرف يوم إني سبيعي :

الهضيبي . الحريق
رد مع اقتباس
 
 
غير متصل
 رقم المشاركة : ( 5 )
الهضيبي الحريق
عضو مميز
رقم العضوية : 39310
تاريخ التسجيل : 21 - 10 - 2009
الدولة : ذكر
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 561 [+]
آخر تواجد : [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الهضيبي الحريق is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
رد: باب في المصيبة وحقيقتها وما أعد الله لمسترجعها

كُتب : [ 21 - 11 - 2009 ]

نبع الوفاء جزاك الله خيراً وبارك فيك على مرورك المميز



بسم الله ابـد ومضي التوقيـع :
وسجل إعجابـي وتـوقيـعي :
ونا سبيعي وأفتخر في سبيـع :
لي الشرف يوم إني سبيعي :

الهضيبي . الحريق
رد مع اقتباس
 
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مائة ألف مليون دولار .. تثبت معجزة رسول الله صلى الله عليه و سلم الراعي المنتدى الإسلامي 13 12 - 11 - 2012 22:48
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم شوفوا وسبحوا الله ابو سعود 99 المنتدى المـفـتـوح 7 14 - 11 - 2008 03:04
هذا نهر الكوثر الذي اعطاه الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الاركاني المنتدى الإسلامي 1 17 - 07 - 2008 17:58
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله حكم قيادة المرأة للسيارة الحميدي محمد الفراعنه المنتدى الإسلامي 6 27 - 05 - 2008 07:15
سبحان الله ولا اله الا الله ** ببغاء يقرأ القران سورة الفاتحة و الإخلاص الناصح المكتبة السمعية والمرئية 1 22 - 01 - 2006 19:52


الساعة الآن 01:32.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. www.sobe3.com
جميع المشاركات تعبر عن وجهة كاتبها ،، ولا تتحمل ادارة شبكة سبيع الغلباء أدنى مسئولية تجاهها