المنتدى الإسلاميفتاوى ، مقالات ، بحوث اسلامية لكبار العلماء وستجد ايضا معلومات عن الفرق الضالة والأديان بما في ذلك الديانة النصرانية واليهودية والمجوسية وغيرها
هذا مقال للشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – ( ت1378هـ ) ، نشره في صحيفة البلاد السعودية العدد 715 في 26/6/1367هـ ، يُعقّب فيهعلى من حاول شرعنة الاختلاف بين المسلمين ، وأنه من رحمة الله بهم ! خالطًا بين سنةالله الكونية ، وسنته الشرعية . أحببت نشره ؛ لعله يساهم في تحرير مثل هذا الموضوعالمهم ، الذي أصبح – للأسف – مرتعًا خصبًا لكل من يريد تمرير الأقوال الفقهيةالضعيفة أو الشاذة ، بين المسلمين ، تحت غطاء : " الخلاف رحمه " أو " في المسألةقولان " .. إلخ ، كما هو واقع بعض الدعاة ..
حديث اختلاف أمتي رحمة
لا أصل له ومعناه غير صحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مقال للشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – ( ت 1378هـ ) ، نشره في صحيفة البلاد السعودية العدد 715 في 26/6/1367هـ ، يُعقّب فيه على من حاول شرعنة الاختلاف بين المسلمين ، وأنه من رحمة الله بهم ! خالطًا بين سنة الله الكونية ، وسنته الشرعية . أحببت نشره ؛ لعله يساهم في تحرير مثل هذا الموضوع المهم، الذي أصبح – للأسف – مرتعًا خصبًا لكل من يريد تمرير الأقوال الفقهية الضعيفة أوالشاذة ، بين المسلمين ، تحت غطاء : " الخلاف رحمه " أو " في المسألة قولان " .. إلخ ، كما هو واقع بعض الدعاة ..
حديث اختلاف أمتي رحمة
لا أصل له ومعناه غيرصحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين.
أمابعد:
فإني قد اطلعت على مقالة لبعض العلماء نشرتها ((البلاد السعودية)) في عددها (714) يوم الأحد الموافق23 جمادى الثانية 1367هـ يؤيد في مقالته شهرة حديث: ((اختلاف أمتي رحمة))، وأنه حديث مذكور في كتب الأمة، وأن معناه صحيح لأدلة قوية ثابتة، واستدل على رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن ابن الحاجب في المختصر ذكره، وأن البيهقي رواه بسندمنقطع عن ابن عباس، وأن الطبراني أخرجه والديلمي في مسندالفردوس.
وذكر صاحب المقالة أن الاختلاف في المسائل الفرعية المستنبطة من الأدلة الشرعية غير مذموم، بلا نزاع بين العلماء، وذكر أنه لم يزل العلماء يختلفون في المسائل الفرعية ولم يعدّوا هذا الاختلاف ضلالاً، وذكر اختلافهم في بعض مسائل في الفرائض وغيرها، يريد بذلك تأييدصحة معنى حديث: ((اختلاف أمتي رحمة)).
وحيث أن هذا الحديث لا أصل له،ومعناه مصادم للآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية، رأيت من الواجب عليَّ بيان ما يجب اعتقاده في هذه المسألة لأنها ترتكز على أصل من أصول الدين، وهو الأمر باعتصام المسلمين بحبل الله جميعًا ولزوم الجماعة، وترك التفرق والاختلاف،قال الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ }، وقال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103]، وقال تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } [آل عمران: 105]، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام: 159]، فهذه الآيات فيها إطلاق ذم الاختلاف وذم أهله.
وفي الحديث ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة))، وفي الحديث: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً مجدعاً، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليهابالنواجذ)) الحديث.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: هجّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرى في وجهه الغضب، فقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم في الكتاب)). أخرجه مسلم .
فهذه الآيات الكريمات،وهذه الأحاديث النبويات دلت على ذم الاختلاف وعيبه وتحريمه والتشديد فيه والوعيدعليه بالنار، وبلغت هذه الأحاديث من الشهرة والتواتر وقبول أهل العلم لها واحتجاجهم بها ما يورث العلم الضروري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها وصدرت عنه.
فإذا تقرر ذلك علمنا قطعاً لا شك فيه أن حديث ((اختلاف أمتي رحمة)) حديث باطل مصادم للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ويقطع سليم الفطرة أن هذا الحديث لم يخرج من مشكاة النبوة.
فإن قال قائل: المراد : الاختلاف في العلوم الفرعية.
فيقال: حتى ولو سلمنا ذلك لهذا القائل ؛ فإن مقالته هذه خطأ؛ لأن ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية عام لكل اختلاف وقع في الأصول والفروع؛وغاية ما يقال في ذلك: إنه إذا لم يكن في المسألة نص من كتاب أو سنة أو إجماع واختلاف المجتهدون في تلك المسألة، فإن خلافهم في ذلك مغفور لهم، فالمصيب منهم له أجران، والمخطئ له أجر، ولايقال حينئذ: إن اختلافهم رحمة، ولم يقل أحد من أهل العلم الذين يُعتد بقولهم إن اختلاف المجتهدين رحمة.
وقد تكلم السيوطي على هذا الحديث بما فيه كفاية ، وكذا السخاوي في ((المقاصدالحسنة)) والديبع في ((تمييز الطيب من الخبيث فيما جرى على ألسنة الناس من الحديث)) بل صرح جمع من صيارفة الفن بأن هذا الحديث لا أصل له، بل أورد الديبع في مختصر المقاصد ما حاصله: خرَّج عبد الله بن أحمد من حديث النعمان بن بشير مرفوعًا بإسناد لا بأس به: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب)) ، أورده مستشهدًا به على رد حديث: ((اختلاف أمتي رحمة)).
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : وأما قولهم: ((واختلافهم رحمة)) فهذاباطل،بل الرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب،قال تعالى{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } ، ولما سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ابن مسعود وأُبيًّ ا اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد؛ صعِد المنبر وقال: ((اثنان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن أي فتياكم يصدر المسلمون؟ لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا فعلت وفعلت)) ، لكن قد روي عن بعض التابعين أنه قال: ما أحسب اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للناس؛ لأنهم لولم يختلفوا لم تكن رخصة.
ومراده غير ما نحن فيه، ومع هذا فهو قول مستدرَك؛ لأن الصحابة أنفسهم ذكروا أن اختلافهم عقوبة وفتنة. انتهى كلام شيخ الإسلام
وقد استدل بعض من لاتحقيق عنده بحديث: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)).
وهذا الحديث قدنص الأئمة على أنه موضوع ، كما حققه البزار والعلامة ابن القيم وأبو محمد بن حزم.
قال البزار بعد كلام سبق: والنبي صلى الله عليه وسلم لا يبيح الاختلاف بعده بين أصحابه.
إذاتقرر هذا ؛ فإن اختلاف الأمة ليس برحمة، وليس هذا مما يحبه الله ورسوله؛قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106] قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل البدع والاختلاف ، وقد ثبت عن الصحابة ومن بعدهم من الأئمة من الإنكار في مسائل الخلاف ، والتعزير على ذلك ما يعز حصره، كما أنكروا على من منع من التمتع بالعمرة، وعلى من أتم في السفر، وعلى من أباح وطء المرتدة بملك اليمين، وعلى من حرّق الغالية،
، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون قال أبوبكر وعمر . مع أن القائلين بهذه الأقوال هم أفضل الأمة وخيرها، ولا يدانيهم من بعدهم في علم ولا غيره، فلو كان الخلاف رحمة لم يُنكر الصحابة بعضهم على بعض في مسائل الخلاف ؛ لأنهم أجلّ علمًا وأرفع قدراً من أن ينكروا مسألة والخلاف فيها رحمة –على زعم هذا القائل.
واستدل صاحب المقالة لصحة معنى حديث: ((اختلاف أمتي رحمة)) بأن العلماء ما زالوا يختلفون في المسائل الفرعية، وأن الأئمة الأربعة خالف بعضهم بعضاً، كما في توريث المطلقة ثلاثاً إذا كان الطلاق في مرض الموت، وذكر في مقالته مسائل مما حصل الخلاف فيها بين الصحابة.
وهذا الاستدلال وقع من صاحب المقالة في غير محله؛ لأن الاستدلال بمسائل الخلاف التي وقعت بين الصحابة فمن بعدهم لا يُستدل بها إلا على نفي وقوع الخلاف بين الصحابة فمن بعدهم في شيء من مسائل العلم، فحينئذ يحسن الاستدلال بإيراد مسائل الخلاف التي وقعت بينهم، ويكون الاستدلال بذلك والجواب به على محل النزاع مطابقاً،على ألا يُعتقد أن هذا الاختلاف الذي وقع بينهم أحب إلى الله ورسوله من الاتفاق،وعلى ألا يُعتقد أن هذا الاختلاف رحمة !
وإنما يقال: إذا كان هذا الاختلاف وقع في مسألة اجتهادية ليس فيها نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع، فإن كلا المجتهدَين مغفور لهما، فالمصيب منهما له أجران، والمخطئ له أجر واحد، ولا يقال مع ذلك: إن خلافهما رحمة. فتفطن يا من نوَّر الله بصيرته لذلك، وأنه لا يلزم من حصول الأجرللمجتهدين في مسائل الخلاف التي وقعت بينهم أن يسمى اختلافهم رحمة، لما قدمنا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
وقد استدل بهذا الحديث الذي لا أصل له بعض المعاندين لهذه الدعوة الإسلامية التي جددها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فقدقال عثمان بن منصور النجدي بعد كلام له سبق على هذه المسألة: وما ذكرنا هو الذي أوجب قول العلماء: لا إنكار في مسائل الاختلاف، فبهذا صح أن اختلاف الصحابة رحمة،وكذلك الأئمة، لأن اختلافهم تابع لاختلاف الصحابة. انتهى كلام ابنمنصور
قال الشيخ الإمام العلامة عبد اللطيف ابن الشيخ الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله على قول ابن منصور هذا : ( فهذا الكلام كلام واهٍ ساقط، هجنته تكفي عن جوابه، ولا يقوله من شم رائحة العلم، وعرف شيئاً مما هنالك، فأما زعمه أن العلماء قالوا: لا إنكار في مسائل الاختلاف، فالحكاية غير صحيحة والمعنى فاسد.
ومع عدم الصحة فالمعروف من بعضهم قول: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولم يقل: مسائل الاختلاف، فالنقل غير صحيح، وفي عبارته أنه أضاف القول بذلك إلى العلماء، وهذا مفرد مضاف، فيعم جميع العلماء، والجمهور على إنكار هذا، فكيف ينسب إليهم؟ سبحان الله فما أحسن الحياء!
ثم اعلم أن المحققين منعوا من قول: لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وأوردوا عن الصحابة فمن بعدهم من الأئمة وعلماء الأمة من الإنكارما لا يمكن حصره.
قال شيخ الإسلام أبو العباس رحمه الله : قولهم: مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها ليس بصحيح،فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم، أو العمل، أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً، وإن لم يكن كذلك فإنه منكر، بمعنى ضعفه عند من يقول: المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب الإنكار أيضاً بحسب درجات الإنكار، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سُنَّةً أو إجماعاً، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع،وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً. انتهى
وقول ابن منصور: فبهذاصح أن اختلاف الصحابة رحمة، وكذا الأمة ... إلى آخره. فالمقدمة باطلة، والتأصيل فاسد، والتفريع عليه أبطل وأفسد ...
إلى أن قال الشيخ عبد اللطيف: وقوله : وكذا الأئمة اختلافهم رحمة، يدخل فيه كل خلاف في الأصول والفروع، حتى من أفتى بجهل وقال على الله ما لا يعلم، كل هذا رحمة لرأي هذا المفتي وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33] فجعل القول عليه تعالى بغير علم في الدرجة العليا، كما في الآية الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، فهو أكبر من الشرك، وهذا يقول: وكذا اختلاف الأمة رحمة ! ) . انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله تعالى
ويقال لمن قال: اختلاف الأمة رحمة : كيف يكون رحمة، وقد حذر الله منه ورسوله، وعامة الشقاق بين الأمة إنما بدأ من الاختلاف ؟!
قال ابن القيم بعد كلام سبق: الوجه الثاني أن ا لاختلاف سببه اشتباه الحق وخفاؤه، وهذا لعدم العلم الذي يميز بين الحق والباطل. الثالث: أن الله سبحانه ذم الاختلاف في كتابه ونهى عن التفرق والتنازع فقال: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13].
وقال: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ } [آل عمران: 105].وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام: 159].
وقال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46].
وقال تعالى: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [المؤمنون: 53]. والزبر: الكتب. أي كلفرقة صنفوا كتباً أخذوا بها وعملوا بها ودعوا إليها دون كتب الآخرين كما هو الواقع سواء.
وقال: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]. قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف، وتسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تختلفوا فتختلف قلوبكم}. وقال: ((اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا)) .
وكان التنازع والاختلاف أشد شيء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا رأى من الصحابة اختلافاً يسيراً في فهم النصوص يظهر في وجهه حتى كأنما فقئ فيه حب الرُمان. ويقول: بهذا أمرتم؟
ولم يكن أحد بعده صلى الله عليه وسلم أشد عليه الاختلاف من عمر رضي الله عنه، وأما الصدّيق فصان الله خلافته عن الاختلاف المستقر في حكم واحد من أحكام الدين، وأما خلافة عمر فتنازع الصحابة تنازعاً يسيراً في قليل من المسائل جدًّا، وأقر بعضهم بعضاً على اجتهاده من غير ذم ولا طعن، فلما كان خلافة عثمان اختلفوا في مسائل يسيرة صحب الاختلاف فيها بعض الكلام واللوم كما لام على عثمان في أمر المتعة وغيرها، ولامه عمار بن ياسر وعائشة في بعض مسائل قسمة الأموال والولايات، فلما أفضت الخلافة إلى علي رضي الله عنه صار الاختلاف بالسيف..
والمقصود : أنه لا خلاف مناف لما بعث الله به ورسوله، قال عمر رضي الله عنه : لا تختلفوا ، فإنكم إن اختلفتم كان من بعدكم أشد اختلافاًَ. ولما سمع أبي بن كعب وابن مسعود يختلفان في صلاة الرجل في الثوب الواحد أو الثوبين صعدالمنبر وقال: رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفا! فمن أي فتياكم يصدرالمسلمون؟! لا أسمع اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا صنعت وصنعت. وقال علي رضي الله عنه في خلافته لقضاته: اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف ، وأرجو أن أموت كمامات أصحابي.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هلاك الأمم من قبلنا إنما كان باختلافهم على أنبيائهم . وقال أبو الدرداء وأنس وواثلة بن الأسقع رضي الله عنهم: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في شيء من الدين فغضب غضباً شديداً لم يغضب مثله. قال: ثم انتهرنا وقال: يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم وهج النار. ثم قال: بهذا أُمرتم. أو –ليس عن هذا نهيتم- إنما هلك من كان قبلكم بهذا. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى
وأما قول صاحب المقالة: إن معنى حديث: ((اختلاف أمتي رحمة)): صحيح. فليس الأمر كذلك، بل معناه فاسد؛لأن القول بصحة معناه يستلزم الترغيب في الاختلاف والتفرق وعدم
الاتفاق، حتى تحصل الرحمة لكل مخالف، وهذا مضاد لقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ } [هود: 118، 119] فجعل سبحانه الرحمة في الطرف الآخر وهو المتفق لا المختلف، وهذا بعكس ما فهمه صاحب المقالة، ونسأل الله أن يهدينا جميعًا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن يتولى إعانتنا وأن يسلك بنا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. آمين.