إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : تعتبر هذه المرثية ل / مالك بن الريب التميمي قبل موته من أجود وأجمل المراثي التي قالتها العرب . ولعل مايميزها عن غيرها أن الشاعر رثى بها نفسه حيث قال :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
= بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
وهذا البيت من قصيدته العصماء التي تعتبر من عيون الشعر العربي وقائلها هو : مالك بن الريب التميمي وهو من مازن تميم . وكان فاتكاً لصا , يصيب الطريق مع شظاظٍ الضبي الذي يضرب به المثل وهو الذي يقول :
سيغنيني المليك ونصل سيفي
= وكرات الكميت على التجاري
وحبس في مكه , فشفع فيه شماس بن عقبة المازني فاستنقذه وهو القائل في الحبس :
أتلحق بالريب الرقاق ومالك
= بمكة في سجن يعنيه راقبه
ثم لحق ب / سعيد بن عثمان بن عفان فغزا معه خرسان , فلم يزل بها حتى مات , ولما حضرته الوفاة قال تلك القصيدة التي يعتبرها العرب من أجود المراثي حيث رثى بها نفسه قبل الموت وقد روي أن مالك بن الريب اشتهر في أوائل العصر الأموي , وهجا / الحجاج بن يوسف الثقفي بقصيدة منها هذا البيت :
فلولا بنو المروان كان ابن يوسف
= كما كان عبدا من عبيد إياد
فطلبه / الحجاج بن يوسف , فهرب وصار يقطع الطريق مدة حتى لقيه / سعيد بن عثمان بن عفان الذي استصلحه واصطحبه مجاهدا إلى خرسان ويقول مالك في ذلك :
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى
= وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
وعودة لمطلع القصيدة التي يقول فيها :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً
= بجنب الغضى أزجي القلاصَ النواجيا
وقوما إذا ما استل روحي وقربا
= ليَ السدر والأكفان عند فنائيا
وخطا بأطراف الأسنةِ مضجعي
= وردا على عينيّ فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك اللهُ فيكما
= من الأرض ذاتِ العرضِ أن توسعا ليا
كلمة عن الشاعر :
هو / مالك بن الريب من بني مازن التميمي شاعر مقلّ لم تشتهر من شعره إلا هذه القصيدة ومقاطع شعرية في الوصف والحماسة وردت في كتاب الأغاني .
وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه . وفي يوم مر عليه / سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق ، فاستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله ، مرض مرضاً شديداً بسبب لدغة ، فقال هذه القصيدة الرائعة الفريدة يرثي بها نفسه .
وتتمتع هذه القصيدة في أدبنا بشهره فذه لأن الإنسان مهما صدقت عاطفته في رثاء حبيب فلن تكون أصدق منها عندما يرثي نفسه . وقد كانت وفاة / مالك بعيد نظمه لهذه القصيدة في خلافة معاوية سنة 56 هـ .
أبيات من القصيدة :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلهً
= بجنب الغضا اُزجي القلاص النواجيا
يا ترى هل تعود أيامنا مع الأحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليلة أسوق النياق السريعة . كم كنت أتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه . إن أهل الغضا أحباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون . لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان . وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي الذي يجرٌ رسنه الى الماء دونما فارس يسقيه . حينما شعرت بالموت عند مدينة مرو وضعف جسمي قلت لا صحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي الايوماً أو بعض ليلة لأن أمري قد اتضح ، فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤس الرماح وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي . ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعه , واسحباني إليكما بثوبي ، فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني . وكنت انعطف على الأعداء إذا تقهقرت الخيل وأسرع إلى نجدة من يدعوني . آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساءً لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بانفسهن ، منهن أمي وأختاي وخالتي وزوجي . ماأحسن أيام الرمل لقد كانت حميدة وكان أهل الرمل محبين لنا مخلصين في ودادنا .
التعليق :
إذا تأملت هذه القصيدة العظيمة اتضحت لك فيها الخصائص الآتيه :
1. أن العاطفه فيها في أوج الصّدق والحرارة لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحاس لا مثيل له ، إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ . وهذه الخاصة جعلت هذه القصيدة من أشهر المراثي في الشعر العربي .
2. المعاني فيها ابتكار وروعة كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه ، وهي تبكي بطولته وفروسيته ، وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ، ومن معانيه الطريفة : معنى تشابه فيه مع شاعر انجليزي جاء بعده . وهو قوله ( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي ) . ومن أجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه ، وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ، كما أنّ في ذكره لزوجه ووالدته وقريباته ، وتصوير شعورهنّ حين يبلغهن النبأ إبداعاً ممتازاً .
3. الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ، ولكنّ بعضها يوضح جوّ الفتوح الإسلامية ، ومن الإشارات البدويه ( أزجي القلاص النواجيا ، لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا ، وأشقر محبوك ، سهيل ، ياصاحبي رحلي ، هيئا السدر ) .
4. في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ، فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات لشدت حبه لهذين الموضعين . حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث .
5. وبلاد الغضا هي القصيم من بلاد قبيلته بني تميم وقد قال الراجز ( الله نجاك من القصيم وذيب الغضا وبني تميم ). المرجع / الشعر والشعراء للعلامة بن قتيبة . منقول بتصرف وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 28 - 09 - 2008 الساعة 23:41
أخي الكريم / خيال الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على هذا الموضوع واسلم وسلم والسلام .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعد الشميسي
سلام الله على االشماسي يامعطي للشعر اجمل صورة سلام الله على معاند ترى من عيالي بالمنتدى فاحت عطوره انا الشميسي من العراق واحمى لبن عمي معاند وريح شعوره
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة=بوادي الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه=وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لودنا الغضى=مزار ولكن الغضى ليس دانيا
أم ترني بعت الضلالة بالهدى=واصبحت في جيش ابن عفان غازيا
واصبحت في أرض الأعادي بعدما=أراني عن أرض الأعادي قاصيا
دعاني الهوى من أهل أود وصحبتي=بذي الطبسين فالتفت ورائيا
أجبت الهوى لما دعاني بزفرة=تقنعت منها أن ألام ردائيا
أقول وقد حالت قرى الكرد دوننا=جزي الله عمرو خير ماكان جازيا
إن الله يرجعني من الغزو لا أرى=وإن قل مالي طالبا ماورائيا
تقول أبنتي لما رأت طول رحلتي=سفارك هذا تاركي لا أباليا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي=لقد كنت عن بابي خراسان نابيا
فإن انج من بابي خراسان لا أعد=اليها وإن منيتموني الأمانيا
فلله دري يوم أترك طائعاً=بني بأعلى الرقمتين وماليا
ودر الظباء السانحات عشية=يخبرن أني هالك من ورائيا
ودر كبيري اللذين كلاهما=علي شفيق ناصح لو نهاينا
ودر الرجال الشاهدين تفتكي=بامري ألا يقصروا من وثاقيا
ودر الهوى من حيث يدعو صحابه=ودر لجاجاتي ودر انتهائيا
تذكرت من يبكي علي فلم أجد=سوى السيف والرمح الرديني باكيا
واشقر محبوك يجر لجامه=إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
ولكن بأكناف السمينة نسوة=عزيز عليهن العشية مابيا
صريع على ايدي الرجال بقفرة=يسوون لحدي حيث حم قضائيا
ولما تراءت عند مرو منيتي=وخل بها جسمي وحانت وفاتيا
اقول لأصحابي ارفعوني فإنه=يقر بعيني أن سهيل بداليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا=برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة=ولاتعجلاني قد تبين شانيا
وقوما إذا ما استل روحي فهيئا=لي السدر والأكفان عند فنائيا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي=وردا على عيني فضل ردائيا
ولاتحسداني بارك الله فيكما=من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خذاني فجراني ببردي إليكما=فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
فقد كنت عطافاًإذا الخيل أدبرت=سريعاً إلى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت صباراً على القرن في الوغى=وعن شتمي ابن العم والجار وانيا
فطوراً تراني في ظلال ونعمة=ويوماً تراني والعتاق ركابياً
ويوما تراني في رحى مستديرة=تخرق أطراف الرماح ثيابياً
وقوما على بئر السمينة أسمعا=بها الغر والبيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقفرة=تهيل على الريح فيها السوافيا
ولاتنسيا عهدي خليلي بعدما=تقطع أوصالي وتبلى عظاميا
ولن يعدم الوالون مما يصيبهم=ولن يعدم الميراث مني المواليا
يقولون لاتبعد وهم يدفنونني=وأين مكان البعد إلا مكانياً
غداة غد يالهف نفسي على غد=إذا أدلجوا عني وأصبحت ثاويا
وأصبح مالي من طريف وتالد=لغيري وكان المال بالأمس ماليا
فياليت شعري هل تغيرت الرحى=رحى المثل أو أمست بفلج كماهيا
إذا الحي حلوها جميعاً وأنزلوا=بها بقراً حم العيون سواجيا
فياليت شعري هل بكت أم مالك=كما كنت لو عالوا نعيك باكياً
إذا مت فاعتادي القبور فسلمي=على الرمس أسقيت السحاب الغواديا
على جدث قد جرت الريح فوقه=تراباً كسحق المرنباني هابيا
رهينة أحجار وترب تضمنت=قرارتها مني العظام البواليا
فياصاحبي إما عرضت فبلغن=بني مازن والريب أن لاتلاقيا
وعطل قلوصي في الركاب فإنها=ستفلق أكباداً وتبكي بواكيا
وأبصرت نار المازنيات موهناً=بعلياء يثنى دونها الطرف وانيا
بعيد غريب الدار ثاو وبقفزة=يد الدهر معروفاً بأن لاتدانيا
أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى=به من عيون المؤنسات مراعياً
وبالرمل منا نسوة لوشهدنني=بكين وفدين الطبيب المداويا
وما كان عهد الرمل عندي وأهله=ذميماً ولا ودعت بالرمل قاليا
فمنهن أمي وابنتاها وخالتي=وباكية أخرى تهيج البواكيا
أخي الكريم / معاند الشماسي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالشاعر / مالك بن الريب التميمي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وما لا يدرك كله لا يترك جله والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا هذا وتقبل فائق شكري وامتناني مقرونا بجزيل محبتي واحترامي مع أطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .
التعديل الأخير تم بواسطة خيَّال الغلباء ; 29 - 02 - 2008 الساعة 17:05
أخي الكريم / سهاج السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالشاعر / مالك بن الريب التميمي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وما لا يدرك كله لا يترك جله وكما تفضلت سددوا وقاربوا والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا هذا وتقبل فائق شكري وامتناني مقرونا بجزيل محبتي واحترامي مع أطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .
أخي الكريم / حزم الجلاميد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالشاعر / مالك بن الريب التميمي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وما لا يدرك كله لا يترك جله وسددوا وقاربوا والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا هذا وتقبل فائق شكري وامتناني مقرونا بجزيل محبتي واحترامي مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .
اخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات قبيلة سبيع بن عامر الغلباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : تعتبر هذه المرثية ل / مالك بن الريب التميمي قبل موته من أجود وأجمل المراثي التي قالتها العرب . ولعل مايميزها عن غيرها أن الشاعر رثى بها نفسه حيث قال :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
= بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
وهذا البيت من قصيدته العصماء التي تعتبر من عيون الشعر العربي وقائلها هو : مالك بن الريب التميمي وهو من مازن تميم . وكان فاتكاً لصا , يصيب الطريق مع شظاظٍ الضبي الذي يضرب به المثل وهو الذي يقول :
سيغنيني المليك ونصل سيفي
= وكرات الكميت على التجاري
وحبس في مكه , فشفع فيه شماس بن عقبة المازني فاستنقذه وهو القائل في الحبس :
أتلحق بالريب الرقاق ومالك
= بمكة في سجن يعنيه راقبه
ثم لحق ب / سعيد بن عثمان بن عفان فغزا معه خرسان , فلم يزل بها حتى مات , ولما حضرته الوفاة قال تلك القصيدة التي يعتبرها العرب من أجود المراثي حيث رثى بها نفسه قبل الموت وقد روي أن مالك بن الريب اشتهر في أوائل العصر الأموي , وهجا / الحجاج بن يوسف الثقفي بقصيدة منها هذا البيت :
فلولا بنو المروان كان ابن يوسف
= كما كان عبدا من عبيد إياد
فطلبه / الحجاج بن يوسف , فهرب وصار يقطع الطريق مدة حتى لقيه / سعيد بن عثمان بن عفان الذي استصلحه واصطحبه مجاهدا إلى خرسان ويقول مالك في ذلك :
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى
= وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا
وعودة لمطلع القصيدة التي يقول فيها :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً
= بجنب الغضى أزجي القلاصَ النواجيا
وقوما إذا ما استل روحي وقربا
= ليَ السدر والأكفان عند فنائيا
وخطا بأطراف الأسنةِ مضجعي
= وردا على عينيّ فضل ردائيا
ولا تحسداني بارك اللهُ فيكما
= من الأرض ذاتِ العرضِ أن توسعا ليا
كلمة عن الشاعر :
هو / مالك بن الريب من بني مازن التميمي شاعر مقلّ لم تشتهر من شعره إلا هذه القصيدة ومقاطع شعرية في الوصف والحماسة وردت في كتاب الأغاني .
وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوشحاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه . وفي يوم مر عليه / سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق ، فاستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله ، مرض مرضاً شديداً بسبب لدغة ، فقال هذه القصيدة الرائعة الفريدة يرثي بها نفسه .
وتتمتع هذه القصيدة في أدبنا بشهره فذه لأن الإنسان مهما صدقت عاطفته في رثاء حبيب فلن تكون أصدق منها عندما يرثي نفسه . وقد كانت وفاة / مالك بعيد نظمه لهذه القصيدة في خلافة معاوية سنة 56 هـ .
أبيات من القصيدة :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلهً
= بجنب الغضا اُزجي القلاص النواجيا
يا ترى هل تعود أيامنا مع الأحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليلة أسوق النياق السريعة . كم كنت أتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه . إن أهل الغضا أحباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون . لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان . وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي الذي يجرٌ رسنه الى الماء دونما فارس يسقيه . حينما شعرت بالموت عند مدينة مرو وضعف جسمي قلت لا صحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي الايوماً أو بعض ليلة لأن أمري قد اتضح ، فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤس الرماح وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي . ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعه , واسحباني إليكما بثوبي ، فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني . وكنت انعطف على الأعداء إذا تقهقرت الخيل وأسرع إلى نجدة من يدعوني . آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساءً لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بانفسهن ، منهن أمي وأختاي وخالتي وزوجي . ماأحسن أيام الرمل لقد كانت حميدة وكان أهل الرمل محبين لنا مخلصين في ودادنا .
التعليق :
إذا تأملت هذه القصيدة العظيمة اتضحت لك فيها الخصائص الآتيه :
1. أن العاطفه فيها في أوج الصّدق والحرارة لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحاس لا مثيل له ، إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ . وهذه الخاصة جعلت هذه القصيدة من أشهر المراثي في الشعر العربي .
2. المعاني فيها ابتكار وروعة كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه ، وهي تبكي بطولته وفروسيته ، وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ، ومن معانيه الطريفة : معنى تشابه فيه مع شاعر انجليزي جاء بعده . وهو قوله ( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي) . ومن أجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه ، وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ، كما أنّ في ذكره لزوجه ووالدته وقريباته ، وتصوير شعورهنّ حين يبلغهن النبأ إبداعاً ممتازاً .
3. الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ، ولكنّ بعضها يوضح جوّ الفتوح الإسلامية ، ومن الإشارات البدويه ( أزجي القلاص النواجيا ، لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا ، وأشقر محبوك ، سهيل ، ياصاحبي رحلي ، هيئا السدر ) .
4. في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ، فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات لشدت حبه لهذين الموضعين . حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث .
5. وبلاد الغضا هي القصيم من بلاد قبيلته بني تميم وقد قال الراجز ( الله نجاك من القصيم وذيب الغضا وبني تميم ). المرجع / الشعر والشعراء للعلامة بن قتيبة . منقول بتصرف وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة=بوادي الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه=وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لودنا الغضى=مزار ولكن الغضى ليس دانيا
أم ترني بعت الضلالة بالهدى=واصبحت في جيش ابن عفان غازيا
واصبحت في أرض الأعادي بعدما=أراني عن أرض الأعادي قاصيا
دعاني الهوى من أهل أود وصحبتي=بذي الطبسين فالتفت ورائيا
أجبت الهوى لما دعاني بزفرة=تقنعت منها أن ألام ردائيا
أقول وقد حالت قرى الكرد دوننا=جزي الله عمرو خير ماكان جازيا
إن الله يرجعني من الغزو لا أرى=وإن قل مالي طالبا ماورائيا
تقول أبنتي لما رأت طول رحلتي=سفارك هذا تاركي لا أباليا
لعمري لئن غالت خراسان هامتي=لقد كنت عن بابي خراسان نابيا
فإن انج من بابي خراسان لا أعد=اليها وإن منيتموني الأمانيا
فلله دري يوم أترك طائعاً=بني بأعلى الرقمتين وماليا
ودر الظباء السانحات عشية=يخبرن أني هالك من ورائيا
ودر كبيري اللذين كلاهما=علي شفيق ناصح لو نهاينا
ودر الرجال الشاهدين تفتكي=بامري ألا يقصروا من وثاقيا
ودر الهوى من حيث يدعو صحابه=ودر لجاجاتي ودر انتهائيا
تذكرت من يبكي علي فلم أجد=سوى السيف والرمح الرديني باكيا
واشقر محبوك يجر لجامه=إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
ولكن بأكناف السمينة نسوة=عزيز عليهن العشية مابيا
صريع على ايدي الرجال بقفرة=يسوون لحدي حيث حم قضائيا
ولما تراءت عند مرو منيتي=وخل بها جسمي وحانت وفاتيا
اقول لأصحابي ارفعوني فإنه=يقر بعيني أن سهيل بداليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا=برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة=ولاتعجلاني قد تبين شانيا
وقوما إذا ما استل روحي فهيئا=لي السدر والأكفان عند فنائيا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي=وردا على عيني فضل ردائيا
ولاتحسداني بارك الله فيكما=من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خذاني فجراني ببردي إليكما=فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
فقد كنت عطافاًإذا الخيل أدبرت=سريعاً إلى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت صباراً على القرن في الوغى=وعن شتمي ابن العم والجار وانيا
فطوراً تراني في ظلال ونعمة=ويوماً تراني والعتاق ركابياً
ويوما تراني في رحى مستديرة=تخرق أطراف الرماح ثيابياً
وقوما على بئر السمينة أسمعا=بها الغر والبيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقفرة=تهيل على الريح فيها السوافيا
ولاتنسيا عهدي خليلي بعدما=تقطع أوصالي وتبلى عظاميا
ولن يعدم الوالون مما يصيبهم=ولن يعدم الميراث مني المواليا
يقولون لاتبعد وهم يدفنونني=وأين مكان البعد إلا مكانياً
غداة غد يالهف نفسي على غد=إذا أدلجوا عني وأصبحت ثاويا
وأصبح مالي من طريف وتالد=لغيري وكان المال بالأمس ماليا
فياليت شعري هل تغيرت الرحى=رحى المثل أو أمست بفلج كماهيا
إذا الحي حلوها جميعاً وأنزلوا=بها بقراً حم العيون سواجيا
فياليت شعري هل بكت أم مالك=كما كنت لو عالوا نعيك باكياً
إذا مت فاعتادي القبور فسلمي=على الرمس أسقيت السحاب الغواديا
على جدث قد جرت الريح فوقه=تراباً كسحق المرنباني هابيا
رهينة أحجار وترب تضمنت=قرارتها مني العظام البواليا
فياصاحبي إما عرضت فبلغن=بني مازن والريب أن لاتلاقيا
وعطل قلوصي في الركاب فإنها=ستفلق أكباداً وتبكي بواكيا
وأبصرت نار المازنيات موهناً=بعلياء يثنى دونها الطرف وانيا
بعيد غريب الدار ثاو وبقفزة=يد الدهر معروفاً بأن لاتدانيا
أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى=به من عيون المؤنسات مراعياً
وبالرمل منا نسوة لوشهدنني=بكين وفدين الطبيب المداويا
وما كان عهد الرمل عندي وأهله=ذميماً ولا ودعت بالرمل قاليا
فمنهن أمي وابنتاها وخالتي=وباكية أخرى تهيج البواكيا
أخوي / خيال الغلباء بيض الله وجهك ورحم الله الشاعر / مالك بن الريب وشكرا لك على هذه القصيدة الجميلة والتوضيح المصاحب مع أطيب أمنياتي وخالص تحياتي .
أخي الكريم / عواكيس السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم بالشاعر / مالك بن الريب التميمي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وما لا يدرك كله لا يترك جله وسددوا وقاربوا والله يعافيك ويبارك فيك ويجزاك خيرا ويبيض وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه هذا وتقبل فائق شكري وامتناني مقرونا بجزيل محبتي واحترامي مع خالص التحية وأطيب الأمنيات واسلم وسلم والسلام .