مشاهدة النسخة كاملة : رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
المختار العروسي
14 - 06 - 2008, 22:26
يشرفني أن انشر هذه الكلمات بمنتداكم الكريم وهذا من اجل إفادة الطالب العربي والإسلامي بإذن الله تعالى.
وان تجد عيبا فسد الخللا ++++ فجل من لا عيب له وسما
وللإشارة هذه الكلمات عبارة عن جلسات منزلية ناقشناها مع إخوة لنا في الله. ونصها كالتالي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بســــــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) } . { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " }
نتناول اليوم في هذه الكلمة قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة. لكن للوصول إلى فهم بعض ما جاء فيها من معاني ودلالات فإنه علينا الرجوع إلى بعض الآيات الأخرى حتى يتسنى لنا الإلمام بعض الشيء بها استئناسا منا فالقرآن ثابت وفهمنا متغير وذلك من قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}العلق. فقوله تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} باسم أي اتخاذ مصدر التشريع الكتاب والسنة ولفظ ربك متعلق بالتفكر والتدبر في خلق الله تعالى أي البحث العلمي المؤسس على أساس قيمي أخلاقي صالح من منطلق عقيدة التوحيد، وكذلك من قوله تعالى:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
ففعل القراءة تأمل وفهم وإدراك وعمل. أن نتأمل حتى يتم الاعتقاد القلبي، ومنه الوصول إلى الفهم الذي يكون منه الإدراك العقلي، ثم على هذا التكوين و البناء يتشكل التصور، الذي بدوره يحقق الإرادة العملية، ولا يكون هذا إلاّ باكتساب أدوات ومشارط القراءة والتي هي حاصل التعلم، أي أن التأمل حاصل من مراجعة الترسبات المعرفية والعلمية. ثم إن هذا التأمل متغير بتغير الأدوات والمشارط، وعليه كان قول الله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86)}الإسراء.
وهذا الجزء من الآية في قوله تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا } له من بين ما فيه من الدلالات ما يوحي إلى التغير وفق الحادث من التعامل والتفاعل مع ما جدّ من العلم والمعرفة. وعليه فلن يكون الوصول إلى الحق إلاّ بالاستعانة به تعالى. فطبيعة الخلق البحث في حقيقة الخلق من تعامل مع القوانين الخلقية التي بعثها الله تعالى في خلقه و التي منها يكون التسخير ، وكل خلق الله مسخر لخدمة الإنسان. ومن هذا ننطلق إلى جزئية من قوله تعالى: { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وهي أن الله تعالى ببعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن خاتما بهما الأنبياء والرسل والكتب والرسالات، أنهى التعامل مع المعجزات باستثناء معجزتي القرآن والسنة، وجعل نواميسه الكونية هي الفاعل في حركة الكون، بمعنى أن عمل كل الخلق بدون استثناء لا يخرج عن عمل القوانين التي جعلها الله في الخلق. مع أنها { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}تشير إلى أن الإنسان هو دائم دائب في تحصيل العلم والمعرفة، أي في زيادة دائمة من تحصيله العلم والمعرفة إلى يوم القيامة.
ثم إن التحصيل المستمر في العلم والمعرفة متعلق بفهم القوانين ومدى التعامل والتفاعل معها ونستنبط ذلك من لفظ "جعل " في القرآن الكريم واللفظ جعل في القرآن الكريم متعلق ومرتبط بحقيقة عظيمة وهي مجموع القوانين العلمية كانت أو المعرفية وللتدليل قوله تعالى من سورة الفرقان: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44) أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} و نجد تعلق وارتباك اللفظ جعل بالقوانين العلمية والمعرفية في غيرها من الآيات الكريمات كذلك.
كقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }وهنا اللفظ جعل متعلق بالنعمة، ثم قوله:{ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}متعلق بشروط الملك وفق قوانين قيام الملك . .../... يتبع
المختار العروسي
14 - 06 - 2008, 22:31
تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
كقوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }وهنا اللفظ جعل متعلق بالنعمة، ثم قوله:{ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}متعلق بشروط الملك وفق قوانين قيام الملك
فانتهاء المعجزات حاصل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنذ ذلك فما يتحكم في حركة الخلق كل الخلق هو مجموع القوانين التي جعلها الله في خلقه. وهذا إعجاز رباني بما نتعامل معه الذي قد نصل إلى فهمه "مما جعله في خلقه من قوانين". إذن فكل ما كان وما هو كائن وما سيكون من الله تعالى. فلن يخرج عن إرادته وإليه المصير. ونزيد قولا هنا لزيادة التوضيح من قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}المائدة فمن الجزء من الآية في قوله تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}في سياقها مع ما قبلها وما بعدها نجد بأن لها دلالات مبينة لحق إذا تأملها الإنسان التأمل الصحيح السليم المستقيم لوجد فيها الحق الموصل إلى فهم حقيقة خلقه وما عليه من وظيفة يؤدها من قوله تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)}الذاريات. من هذه الآية نخلص إلى أن الوظيفة الخلقية هي العبادة الحق للحق بالحق . وعليه فقوله سبحانه وتعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}متضمن معنى الأمر بإتيان الأمر والنهي بما يوافق خطاب "الشارع الحكيم" وأما ما كان من حال حادثة ولم يوجد لها أو فيها نص فقد جعل لها قواعد عامة " مقاصد الشريعة" لا يخرج القول والفعل والتقرير عنها، وهذا إن عنى شيئا فإنما يعني ما جاء من لفظ أكملت ، ففي هذا يكمن كمال الدين أي لا زيادة ولا نقصان فيه، وأما قوله تعالى: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فقبل التمام المعرفة بالشيء حتى نتطلع إلى مدى تمامه ومنه فما النعمة من حيث الكم والكيف، قال تعالى: { وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}إبراهيم. وقال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) }النحل وهنا القول أنه من حيث الكم فلا مجال للعد وما لا نعلمه لا نستطيع أن نعده وأما ما نعلمه فإن حاولنا عده فلا نستطيع كذلك ، وذلك راجع للطبيعة الجزيئية في التركيب والترتيب، وأما الكيف فكذلك لا نستطيع عده، وذلك راجع إلى طبيعة التكوين، لكن لنا أن نتمم النعم أي أنه لا تتم نعمة إلاّ بنعمة أخرى، وقيام العقل بترتيب التركيب فيه تمام النعمة و العمل العقلي يمثل نعمة من نعم الله، بمعنى لو نأخذ أي جهاز تمت صناعته كالكومبيوتر أو الهاتف النقال أو غيرهما نلاحظ تزاوج عدد من العناصر حتى تم تسخيره وفق قوانين معلومة هي التي تتحكم في الأشياء لخدمة البدن، فالنعم لا تتم إلاّ بالعلم وليست لنا القدرة على عدّها مهما كان تحصيلنا العلمي، وكأن هذا الجزء من الآية يأمر بالبحث العلمي الخاضع للتجريب. قال تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}العنكبوت . وقال تعالى:{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) الروم . فقوله تعالى:{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} دلالة على العلم التجريبـي وذلك لطبيعة العقل البشري الذي يميل إلى المعرفة بالشيء أي الموجود، والموجود بطبيعته له التأثير على الإنسان من وجه معرفته بقوانين التركيب، ذلك التركيب الدقيق المفصل المتناهي الدقة والتفصيل ليَحدُث منه العلم بالـمُوجِد، قال تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}محمد.
ومن هذا فالعلم بالموجود دلالة يقينية على الـمُوجد، وهذا ما يرجعنا إلى قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}لنقول فيه بأن هنالك تشابك متجانس بين الدين والعلم المادي ليتم بذلك التالي، الدين يوافق الفطرة والعلم يوافق البدن، ومنه فإن العلم خادم للدين إن أخذ باستقامة وسداد. وقوله تعالى: { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الإسلام دين والدين عند الله كامل ، فكمال الإسلام من كمال الدين مع الأخذ بذلك التجانس المتشابك بين الدين والعلم، ليكون الإسلام هو ذلك الكل المتكامل من دين وعلم.أي أنه لا دين من غير علم ولا علم من غير دين.كما في " لا يصح الإيمان بغير عمل ، ولا يصح العمل بغير إيمان". ومن هذا فإن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا الحق الواجب علينا إتباعه، مع الجزم بانتهاء المعجزات وإنما ما جعله الله من نواميس كونية محركة للكون بكل ما فيه من مخلوقات، ليكون لنا من هذا إتباع استقامة وسداد لحصول تسخير الخلق كل الخلق للإنسان، أي استخلاف الإنسان في الأرض وجنة إن شاء الله تعالى وعدا منه للمسلمين الصادقين الذين لم يغيروا أمر توحيده وعملوا بالأمر والنهي الصادر منه المنزل على عبده خير البرية جمعاء محمد صلى الله عليه وسلم. ومن هذا كله نخلص إلى أن العلم المادي خادم للعلم الشرعي مثبّتا له، .../... يتبع
المختار العروسي
14 - 06 - 2008, 22:33
.../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
وفي هذا يحضرني قوله تعالى من سورة النصر: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) }. لفظ الفتح مصدقا لنبوءة النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ واحدة آتية لا محالة ولا شك في ذلك فتح رومية، ثم لا فتح بعدها والله أعلم إلاّ ما يكون من الفتح العلمي، أي أن يتحقق الدين وتصير قوانينه قوانين علمية ثابتة بالمنهج العلمي من تجريب أو غيره غير قابلة للتكذيب حتى يأتي أمر الله تعالى. وعلى هذا فأن العلم بكمال الإسلام اعتقادا، ليتبعه العقل إدراكا منه له بموافقته الفطرة ليخدم البدن، ونقيضه حاصل من توهم العقل بمعرفة قوانين الأشياء لخدمة البدن فيصير بهذا إلى الشقاء والغم والضنك لخلوه من شقه الأول واعتماد الشق الثاني منه اعتقادا، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} البقرة. ونقول إن في هذه الآية بيان لما ذكرناه والذي قد استنبطناه من الألفاظ 01ـ جعلنا،02ـ وسطا،03ـ شهداء . فاللفظ جعل متعلق بمجموع القوانين العلمية والمعرفية كما ذكرنا سابقا. واللفظ وسطا يأخذ معنى التموقع التشريعي، بمعنى أنه موقع تشريعي توسط ما قبله من التشريعات التي سبقته يلغي الزمان والمكان في تعامل الإنسان معهما، مع أنه لم يخرج عن المعقول والمألوف أي لم يخرج عن الفطرة، فلم يكن الأمر والنهي فيه معجزا في الأداء كما العلم كذلك بكل أنواعه وتفصيلاته. وأما لفظ شهداء فإنما أخذ معنى الشهادة على البلاغ والبيان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم:" ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته الدجال أنذره نوح و النبيون من بعده و إنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس بأعور و إنه أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ألا إن الله حرم عليكم دماءكم و أموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت : اللهم اشهد ثلاثا ويحكم ! انظروا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". فقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اشهد" على ما كان من البلاغ والبيان. ومن هذا فإن ما هو في القرآن والسنة لنا القدرة على أدائه والتعامل معه وفق النواميس الكونية. ومن هذا التقديم وإن كنا قد أطلنا الكلام فيه نرجع إلى ما نحن في صدد الحديث عنه وهو قوله تعالى: :{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة.
إن الله قد خلق كل شيء وجعل فيه القوانين الفاعلة والضابطة والمنظمة له ،الملزمة له وظيفيا، ومنها أن جعل أن الشيء لا يعرف إلاّ بنقيضه المستقيم يقابله المعوج ، والليل يقابله النهار ، والذكر يقابله الأنثى و.................، لكن الله تعالى جعل الأصل في خلقه الخير والجمال والحسن والاستقامة و الصواب والسداد و............. ، و بعث في الإنسيان مسلمات خلقية ومن أهمها المسلمتين الخلقيتين أولا الفصل:وهو القضاء بين الحقّ والباطل من تغليب الفطرة ليتم منه الاعتقاد القلبي والإدراك العقلي، وذلك لبيان الحق وجلائه و الانقطاع العملي له، الحاصل من علم يقيني بفعل القراءة.
ثانيا التمييز: والتمييز متعلق بالفصل ليكون حاصله الفرز بين المتشابهات لرفع الإبهام الوارد ليتم منه التمكن من الشيء بالعلم اليقيني للحق من الحق، وليكون للإنسان القدرة والتحكم في أدائه الوظيفي المتعلق بالأمر والنهي المتحقق بالإرادة. وبالمعنى المختصر أن الفصل يكون بين الحق والباطل عمليا، والتمييز يكون بين قوانين الحق وقوانين الباطل ليتم الفصل. ولذلك كان الجزاء من جنس العمل،والله تعالى خلق الإنسان، وبعث فيه هاتين المسلمتين الخلقيتين، وجعل سن التمييز سنا للتكليف بفعل ظهور الشهوة و... من التغير الحاصل من إفرازات الغدد الجنسية التي بدورها تُفعِّل " الفصل والتمييز"، وما خلق الله الجنة والنار إلاّ لتحقيق العدل الإلهي و بهذا تتحقق القاعدة الجزاء من جنس العمل .و للملاحظة ما انتقال الإنسان من دين إلى دين ببعيد. وعلى هذا فقول الله سبحانه وتعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} أولا البلاء من الله مهما كان في شدته أو رخائه ففيه خير،وقد يقول قائل وما القول في قوله تعالى:{ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} النساء فنقول له إن قول الله تعالى:{ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّه } متعلق بالخلق وأذكر القاعدة القائلة لا يعرف الشيء إلاّ بنقيضه لتكون لنا الحرية في الاعتقاد والعمل ويتم بذلك حصول الجزاء من جنس العمل بالحق من الحق. ويبين الله تعالى هذا في البقية من الآية قال تعالى:{ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)} فأمر الله ما كان من حسنة، وللإنسان الحرية في الاعتقاد والعمل ومنه تحمل الإنسان المسؤولية في شقيها. بمعنى أن الحسنة والسيئة من الله من حيث الخَلق ، وأما الإصابة فمن حيث ما كان من التعامل والتفاعل مع الحسنة أو السيئة، فمن تعامل وتفاعل مع الإصابة بالحسنة رجوعا منه إلى الله فإنما أمره كله فيه خير، وأما من تعامل وتفاعل مع الإصابة بتوهمه العقلي بأن فهم وأدرك الشيء بما انعكس عليه على أساس حصول السيئة فإن أمره كله فيه شر. وللمثال ما كان من ردة فعل إبليس حينما خلق الله تعالى آدم عليه السلام، بأن رأى توهما منه أن هذا الخلق الجديد "آدم عليه السلام " فُضِّل عنه في طبيعة الخلق "الطين والنار" كان منه العصيان الذي منه الكفر بالخالق وتحديه، و سبحانه وتعالى المنزه عما يصفون.
.../... يتبع
المختار العروسي
14 - 06 - 2008, 22:35
.../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
بأن رأى توهما منه أن هذا الخلق الجديد "آدم عليه السلام " فُضِّل عنه في طبيعة الخلق "الطين والنار" كان منه العصيان الذي منه الكفر بالخالق وتحديه، و سبحانه وتعالى المنزه عما يصفون.
وعلى هذا فقوله تعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) } فحصول البلاء تأكيد من الله على التكليف منه لعباده وفق القوانين الحياتية والمعيشية وانعكاساتها على النفس، فالبلاء اختبار قد يكون شاق فيه من الغم ما يضيق به الإنسان، و الاختبار يكون في مظاهر الخَلق وقد يكون منحة أو كما ذكرنا محنة، وجاء بعده لفظ "الشيء"، والشيء ما كان من الموجود المتحقق في الخارج إذ يصح أن يعلم ويخبر عنه، ثم كان اللفظ "من" الدال على البعضية لا الكل، ليكون جزء من الخوف الذي يصح لنا أن نعلمه ونخبر عنه، والخوف يكون من توقع حصول أو حصول المكروه، والمكروه حصوله قد يكون بأسباب خارجية أو داخلية، كما يكون حصوله على الفرد أو على الجماعة أو على الدولة، وأسبابه كثيرة متعددة قد تعرف وقد لا تعرف، ومما نعرف من الأسباب الحاصل منها الخوف في ما كان نتيجة حصوله منعكسة على الفرد، الوسواس، أو حديث النفس الناتج من خطاب الهواجس من توقع المكروه أو التعامل معه أثناء حصوله أو بعد حصوله، أو من سوء الظن بالله، أو بالناس، عدم الثقة في النفس، والمثال على ذلك الخوف من حدوث الجوع، أو الفقر، أو الموت، وهذه العناصر أغلب ما يكون منها الخوف، وقد يكون من الاعتداء، وأما ما كان منعكسا حصوله على الجماعة فكذلك قد يكون نتيجة الجوع والفقر والموت أو من فتنة داخلية قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) } الحجرات وأما على مستوى الدولة فخارجي أو داخلي كذلك والأعظم منهما الداخلي الحاصل من فقدان الثقة بين القمة والقاعدة، أو ابتعاد القمة عن الالتزام بما أوكل لها من مهمة رقابية على أداء الأفراد والجماعات، وذلك لطبيعة الخلافة من مرجعية إسلامية على أنها رقابية لا تشريعية قال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)}طه، وقد يكون سبب الخوف من عامل خارجي كالزلزال أو البركان أو الإعصار أو الجفاف أو تفشي الأمراض أو غيرها مما لم يتدخل فيه عمل الإنسان. ومما هو حاصل من الخوف أي أن الخوف هو سبب حصوله،الجوع، وذلك لأن الإنسان إن توقع مكروها أو حصل له المكروه ولم يعمل للاحتياط أو القضاء عليه، فإنما يكون من هذا انعكاس سلبي على مظاهر الخلق ومنه الوقوع فيما خاف منه الإنسان. ومنه فالجوع يقول البعض في تعريفه للجوع ، الجوع غلبة الحاجة للغذاء على النفس حتى تبرأ ما لأجله فيما لا يتأمل عاقبته، بمعنى عدم توفر الحاجة اللازمة للغذاء، أي بمعنى عدم توفر الأمن الغذائي الحاصل من عدم الاستقرار الأمني " الخوف". وللملاحظة ارتبط الخوف والجوع في هذا الموضع من الآية بلفظ شيء ، والشيء قلنا في تعريفه: ما كان من الموجود المتحقق في الخارج إذ يصح أن يعلم ويخبر عنه، بمعنى أنه قد يكون وقد لا يكون، أي أن كلا من الخوف والجوع قد يوجد وقد يرفع وقد يعود كل منهما. ثم قول الله تعالى:{ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، نلاحظ ارتباط الألفاظ الأموال والأنفس والثمرات باللفظ نقص، أي أن اللفظ نقص فيه إشارة ودلالة على استمرار الموجود أي المال والأنفس والثمرات بوجود الإنسان، وإنما يحصل فيها نوع من الخسران أي النقص، والنقص من الأموال حاصل مما سبقه، فالجوع حاصل من الخوف،وقد يكون من الجوع الخوف ، وذلك لتلازمهما،ونقص من الأموال حاصل من الجوع أي عدم توفر الأمن الغذائي، وذلك لطبيعة أن الأمن الغذائي متعلق بوسائل الإنتاج ووسائل الإنتاج متعلقة بالصناعة والصناعة متعلقة باليد العاملة و.............، وهذا كله متعلق بالعلم إنتاج وسائل الإنتاج، وغياب هذه المتعلقات بسبب الخوف أي عدم توفر الاستقرار الأمني، يكون منه أن يصير الاستهلاك من غير إنتاج، بمعنى أنه يصير المجتمع مجتمعا مستهلكا لا مجتمعا منتجا، مما يترتب عنه نقص الأموال على المستوى الفردي والجماعي وحتى على مستوى الدولة بكل مؤسساتها، ثم إن هذا كله يترتب عنه غياب التربية والتعليم غياب الصحة غياب القوانين الضابطة للمعاملات ووو............، مما يكون سببا لحول النقص في الأنفس، والأنفس هنا تأخذ معنيين المعنى الأول: الروح وإذا حصل النقص فيعني الموت، والثاني: مجموع المعاملات أي حدوث النقص في مجموع المعاملات العلاقات الإنسانية البشرية الخاضعة في الأصل إلى مجموع من القوانين الضابطة المنظمة الملزمة أحيانا في الممارسة،ومنها التكافل المودة الرحمة وغيرها من مكارم الأخلاق، ليحل محلها مجموع آخر من قيم الرذيلة من تنافر وفرقة و فتنة ونهب وسلب واغتصاب لكرامة الإنسان وهدر لحريته ووو................
وأما لفظ الثمرات فد جمع في معناه كل ما كان قبله، فالاستقرار الأمني ثمرة، والأمن الغذائي ثمرة والأموال ثمرة والأنفس ثمرة، فالثمر كل ما كان فيه نفع بدون استثناء وبالطبع ما لم يكن التعامل معه أو به مما يخالف أمر الله أو نهيه.
ولو نلاحظ ترتيب هذه العناصر في الآية الكريمة السابقة الذكر، إذ ذُكر الخوف ومن الخوف الجوع ومن الجوع نقص من الأموال ومن نقص الأموال نقص من الأنفس ومن هذا كله نقص من الثمرات، وكأن فيها إشارة إلى مراحل تطور الضعف عند الفرد والجماعة والدولة وحتى بيان لمراحل تلاشي واندثار الحضارة. بعكس الترتيب في قوله تعالى:{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قريش و التي وكأنها تبين مراحل تطور القوة لدى الفرد والجماعة وحتى الدولة وكذلك مراحل بناء الحضارة. كما أنها تشير إلى التلازم بين الاستقرار الأمني وتوفر الأمن الغذائي في تكوين وبناء الفرد والجماعة والدولة والحضارة. .../... يتبع
المختار العروسي
14 - 06 - 2008, 22:39
.../... تابع رسائل الأنس مع القرآن الكريم المختار العروسي البوعبدلي
. بعكس الترتيب في قوله تعالى:{ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
قريش و التي وكأنها تبين مراحل تطور القوة لدى الفرد والجماعة وحتى الدولة وكذلك مراحل بناء الحضارة. كما أنها تشير إلى التلازم بين الاستقرار الأمني وتوفر الأمن الغذائي في تكوين وبناء الفرد والجماعة والدولة والحضارة.
وأما قوله تعالى:{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} فعلى ما كان من رَدة فعل فالبشارة وعد بالجزاء الحسن إذا تحقق تجاوز الذات والآخر إلى ترسيخ العلاقة بالله، لأن الأصل في الصبر، الصبر على إتيان الأمر، والصبر على الابتعاد عن النهي، والصبر قيمة خلقية مكتسبة برياضة النفس من تفعيل العقل لأجل الالتزام بالشرع، و هو انعكاس لمدى احتواء الظروف المحيطة في أوقات مختلفة ليست دائمة، و به يتم الانتقال إلى مرحلة الرضا، و الوصول إلى استيعاب الواقع بمختلف أشكاله، و من نتائجه التحكم في الحال بفراستها، و اكتساب الرؤية المستقبلية لما قد يكون من الحال. لهدف تحقيق الإسلام على أنه دين وعلم. ولا تتحقق البشارة الإلهية إلاّ بالرجوع إلى الله تعالى، ولا يكون الرجوع إلى الله تعالى إلاّ بإتباع ما جاء في كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وذلك في قوله تعالى: { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}فشرط الإصابة من غير أن تكون للـمُصاب فيه إرادة فهو من شأن الله تعالى، وأما اللفظ قَالُوا دلالة على ما كان من الاعتقاد القلبي والإدراك العقلي الـمُبَين قولا الـمُصَدق بالعمل، وتحقيق إِنَّا لِلَّهِ لا يكون إلاّ بتحقيق العبادة الحق بالحق للحق قال تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} أي تحقيق الوظيفة الخَلقية الموكلة للإنسان بالعلم. وقوله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ففيه بيان لرجوع إيماني ليتم العدل الرباني الجزاء من جنس العمل "ورحمة الله وسعت كل شيء" أي ما كان من إيمان باليوم الآخر و القضاء والقدر خيره وشره و................. والشطر الثاني الرجوع العملي باعتماد القرآن والسنة مصدرين للفكر والنظام والممارسة.
وقوله تعالى:{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} فالصابرين المحتسبين الراجعين إلى الله تعالى في كل شيء، المتمسكين بالحضور الإلهي الرباني معهم بأسمائه وصفاته، في خلجاتهم وحركاتهم وسكناتهم في قيامهم وقعودهم وعلى أيمانهم وشمائلهم ومن فوقهم ومن تحتهم، " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ " على حرف جر يفيد الاستعلاء، أي أن الله تعالى يرفعهم ويعليهم فيرتقون بصبرهم رحمة من الله تعالى إلى مغفرة الله لهم، وما أعظم أن يبشر الصابر بمغفرة الله تعالى. والرحمة منه تجاوز عما صدر من الصابر ما لم يكن فيه شرك أو شرك بعينه، ثم إن الله تعالى يضفي صفة الاهتداء على الصابر الراجع إلى الله في دنياه المصدق بالرجوع إليه في اليوم الآخر. فكانت الهداية إدراك حقيقة الحق وفق ما تقتضيه سبيل القلوب الفطرية، لتكوِّن الممارسة المبنية على مدى المعرفة بقوانين الحق.
و الهداية ما انطبع على قلب الإنسان من معرفته الحق، أي أن الهداية ممارسة للقوانين الشرعية بعد تأملها و فهمها و إدراكها.
قال تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17)} الكهف، فالآيات الخَلقية واجبة التأمل فيها، في حين أنها تعطي العقل مبررات التفكير. ولتتبين الممارسة الوظيفية لمهمته الخَلقية وفق ما يقتضيه التشريع الرباني، لتتم من هذا عملية التسخير، فهذه الآية زاوجت بين فهم قوانين الخَلق الكونية، وممارسة القوانين الشرعية، ففهم القوانين الخَلقية هو الذي بدوره يكون للإنسان داعما ودافعا للوصول بفكره إلى ممارسة القوانين الشرعية من استقامة الفكر والنظام ، فالعلم بمهام المخلوقات ووظائفها يوحي بالتوازنات الكونية في السماوات و الأرض، وكذلك العلم بما يحكمها من قوانين، يزيد المسلم إيمانا و ترسيخا لأدائه الوظيفي.
و قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} الزمر،
فالهداية هي في ممارسة الإنسان وفق ما تقتضيه القوانين التي تحكم الكون و الإنسان، تفاعلا معها و تعاملا بها فمن اتبع طريق الحق بإتباع أحكام الشارع الحكيم فقد اهتدى ومن خالفه فقد ضل ولن يعرف الحق إلا بالرجوع إلى قوانين الحق.
و قال تعالى: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) } الشورى. الذي يتبع سبيل الضلال بعد العلم بسبيل الحق فإنه قد ظلم نفسه من ابتعاده عما كان من التنزيل علما وعملا. وفي هذا تحمل مسؤولية الاختيار الحر.
و قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً(13)} الكهف.
و قال تعالى: { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً و َالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) } مريم.
و قال تعالى:{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) } محمد، والاهتداء متعلق بالعلم والعمل.
و قال: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ و سَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) } الكهف، فحرية الاختيار المطلق الإلهية مكمن الهداية.
و قال: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) }البقرة
وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)}الأحزاب، و الإتباع هو إتيان التشريع الرباني الإلهي على أكمل وجه من غير تحريف أو تزييف.
و الوكيل من يستعان به في قضاء الحاجات و المصالح. لنقول إن الإنسان مسئول عما يفكر به و فيه و ما يظهر من ممارسته، و قد لا ينطبق الفكر مع الممارسة و ذلك راجع إلى أخطاء في المنهج العملي من حيث الترتيب للمعطيات الموجودة و المتاحة. و فهمنا لهذا من أصل الآية من سورة البلد إذ يقول الله سبحانه و تعالى فيها: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ 10}، الإيمان و الكفر.
إذ من هذا نستدل إلى أن سبحانه و تعالى قد خَلَقَ الخَلقَ و بث فيه القوانين، و أعطى الإنسان حقا معلوما، وحقلا محدودا، يمارس فيه فكره، لترسيخ القناعات الحاصلة من العمل العقلي، و التي تعطي له تصورا لما تكون عليه حياته، و لا تكون الهداية إلا مِن إتباع نداء الفطرة، على أساس مبدأ الحرية في الاختيار، والاختيار ملزم في الفكر والنظام والممارسة، فهي تتحقق برجاء الإنسان العون والتوفيق من الله، لتتحقق له المعرفة التامة به و يكون العمل بالقوانين الشرعية اهتداء، إذ يحقق منها أصل الخَلق ''العبادة''، فهي بقاء مسؤولية الإنسان عن ممارسته حاصلة منه ''له أو عليه'' إلاّ في ما لا يستطيع إليه سبيلا أي فيما لم يرد له حصولا أو ما لم يكن مسئولا عن حصوله،بمعنى ما كان مسيرا فيه لا مخيرا فيه كما خيّر بين الإيمان والكفر وهو مسير في كثير من الأشياء.فالهداية خالصة لإرادة الإنسان وما العون و التوفيق إلا بالله.وهكذا تكون هداية الدلالة. فالمسلم عملي حسب قدرته واستطاعته في أداء العبادة واما في معاملاته كذلك حسب قدرته واستطاعته وفق معرفته بالواقع من ظروف موضوعية وتاريخية ويترك النتيجة لله لعدم تحكمه في ما هو حاصل في المستقبل من الزمن ليكون منها التوفيق من الله عز وجل والدعاء أن اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان.
قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) }سورة الليل، و إرادة الله حق، و مشيئته حق، و قدرته حق، وكل أسمائه وصفاته حق، ورحمة الله سبحانه و تعالى شأنه، إن شاء عذّب و إن شاء غفر و الجنة و النار حق ويغفر الله لنا إن شاء الله .فالاهتداء للحق من الحق من خلال ما أنزله على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، والجزاء من جنس العمل ليتم العدل الإلهي.
قال الله تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) } سورة النجم
وأما أن يبعث الله تعالى الإيمان في قلب عبده فهو نفحة من نفحاته و يفعل ما يريد. وهذا من التوفيق
اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
ابن جعوان
14 - 06 - 2008, 22:57
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
http://www.almillion.net/media/web/salam.gif
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-6e0f60d4e1.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-6e0f60d4e1.gif)
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
: أخي : المختار العروسي : بارك الله فيك :
وبيض الله وجهك ماقصرت طال عمرك
اصفقلك على نقل الموضوع والجهد الرااائع
والله يجعلها في موازين حسناتك
http://www.sarkosa.com/vb/uploaded/26714_pinkhand.gif (http://www.sarkosa.com/vb)
تستاهل
تقبل مروري لاهنت
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
أخـوك
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
أبن جعوان
http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif (http://sobe3.com/up/uploads/images/sobe3-fdc4bfd37b.gif)
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir