( 826 ـ العيد الوطني )
الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ الفتاوى (3/107) :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .أما بعد :ـ
فإن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً ، علاوة على ذلك أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به الله ، والواقع أصدق شاهد ، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق ، إذ العيد اسم لما يعود مجيؤه ويتكرر سواء كان عائداً يعود السنة أو الشهر أو الأسبوع كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(59)
ولما كان للنفوس من الولع بالعيد ما لا يخفى لا يوجد طائفة من الناس إلا ولهم عيد أو أعياد يظهرون فيه السرور والفرح ومتطلبات النفوس شرعاً وطبعاً من عبادات وغيرها ، ولهذا لما أنكر أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الجويريتين الغناء يوم العيد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" دعهما ياأبا بكر فإن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا أهل الإسلام " .
وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين الذين يفوقان أي عيد كان ، وهما:" عيد الفطر " و " عيد الأضحى " ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما ، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكر الله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام
فـ" عيد الفطر" أوجبه الله تعالى على المسلمين وشرعه ومنّ به عليهم شكراً لله تعالى على توفيقه إياهم لإكمال صيام رمضان وما شرع فيه من قيام ليله وغير ذلك من القربات والطاعات المنقسمة إلى فرض كالصلاة وصدقة الفطر وإلى مندوب وهو ما سوى ذلك من القربات المشروعة فيه ، وللجميع من المزايا ومزيد المثوبة ما لا يعلمه إلا الله تعالى و " عيد الأضحى " شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن آخر من أركان الإسلام وهو حج بيت الله الحرام ، وقد فرض الله فيه صلاة العيد ، وشرع فيه وفي أيام التشريق ذبح القرابين من الضحايا والهدايا التي المقصود منها طاعة الله تعالى والإحسان إلى النفس والأهل بالأكل والتوسع والهدية للجيران والصدقة على المساكين ،وشرع فيه وفي أيام التشريق وفي عيد الفطر من التكبير والتهليل والتحميد ما لا يخفى ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم :" يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " وفي حديث آخر زيادة " وذكر لله تعالى " كما منّ تعالى بشرعه إظهار السرور والفرح والبروز بأحسن مظهر وأكمل نظافة والانبساط والفراغ في ذلك اليوم والتهاني بذلك العيد والراحة من الأعمال توفيراً للسرور والأنس وغير ذلك وكل ذلك يدخل في مسمى العيد حتى أذن فيه بتعاطي شيء من اللعب المباح في حق من لهم ميل إليه كالجويريات والحبشة الذين لهم من الولع باللعب ما ليس لغيرهم , كما أقر فيه صلى الله عليه وسلم الجويريتين على الغناء المباح بين يديه صلى الله عليه وسلم : وأقر الحبشة على اللعب بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد ، وبذلك يعرف أن المسلمين لم يخلوا بحمد الله في السنة من عيد ، بل شرع لهم عيدان اثنان ، اشتمل كل واحد من العيدين من العبادات والعادات من الفرح والانبساط ومظهر مزيد التآلف والتواد والتهاني به بينهم ودعاء بعضهم لبعض على ما لم يشتمل عليه سواهما من الأعياد
وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية ." أحدها " المضاهات بذلك للأعياد الشرعية
" المحذور الثاني " : أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً ، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة ، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد ، بل هو من باب تحريم البدع في الدين ، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا ، وهو أغلظ وأفضع من المحرمات الشهوانية ونحوها .
وقد ألف شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه في تحريم مشابهة الكفار ولا سيما في أعيادهم سفراً ضخماً سماه " اقتضاء الصراط المستقيم ، في مخالفة أصحاب الجحيم " ذكر فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة : من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والآثار ، والإعتبار ، فذكر من الآيات القرآنية ما ينيف على ثلاثين آية ، وقرر بعد كل آية وجه دلالتها على ذلك , ثم ذكر من الأحاديث النبوية الدالة على تحريم مشابهة أهل الكتاب ما يقارب مائة حديث ، وأعقب كل حديث بذكر وجه دلالته على ذلك ، ثم ذكر الإجماع على التحريم ، ثم ذكر الآثار .
ثم ذكر من الاعتبار ما في بعضه الكفاية ، فما أجل هذا الكتاب وأكبر فائدته في هذا الباب .
" المحذور الثالث" : أن ذلك اليوم الذي عين الموطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس المجوس ، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً ، وهو أبلغ في التحريم من التشبه العام .
" المحذور الرابع " : ان في ذاك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القسرية التي أولها المحرم ما لا يخفى ، ولو ساغ ذلك ـ وليس بسائغ البتة ـ لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك، وهذا عدول عما عليه العرب في جاهليتها وإسلامها ، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة المحمدية بالنسبة إلى عباداتها وأحكامها الفتقرة إلى عدد وحساب من عبادات وغيرها هي الأشهر القمرية ، قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ((60) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما :" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وعقد الإبهام في الثالثة ثم قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين " فوقت العبادات بالأشهر القمرية من الصيام والحج وغير ذلك كالعدد ، وفضل الله الأزمنة بعضها على بعض باعتبار الأشهر القمرية .
" المحذور الخامس" أن ذلك شرع دين لم يأذن به الله ، فإن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقرية إلى الله تعالى ،مع ما اشتمل عليه مما تقدم ذكره ، وقد قال تعالى :( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله((61) .
وأنا أذكر إن شاء الله أنموذجاً مما استدل به شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الباب من الأصول الخمسة التي تقدمت الإشارة إليها ، إقامة للحجة ، وإيضاحاً للمحجة ، وبراءة للذمة ، ونصحاً لإمام المسلمين ولجميع الأمة ، ثم أنقل بعد مواضع مفرقة من كتابه المذكور ، ثم أذكر بعد ذلك خاتمة دعت إلى ذكرها الضرورة .
فمن الكتاب قوله تعالى :(كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون((62)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الكتاب المذكور المطبوع في مطبعة أنصار السنة المحمدية حول دلالة هذه الآية الكريمة على ما نحن بصدده صحيفة (26) ما نصه : وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله (أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون( وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية وهو أن الله قد أخبر أن في هذه الأمة من استمتع بخلاقه كما استمتعت الأمم قبلهم ،وخاض كالذي خاضوا ، وذمهم على ذلك ،وتوعدهم على ذلك ، ثم حظهم على الإعتبار بمن قبلهم ، فقال :( ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود) الآية(63) وقد قدمنا أن طاعة الله ورسوله في وصف المؤمنين بإزاء ما وصف به هؤلاء من مشابهة القرون المتقدمة وذم من يفعل ذلك ـ إلى أن قال :
ثم هذا الذي دل عليه الكتاب من مشابهة بعض هذه الأمة بالقرون الماضية في الدنيا وفي الدين وذم من يفعل ذلك دلت عليه أيضاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتأول هذه الآية على ذلك أصحابه رضي الله عنهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه " (64)قال أبو هريرة : إقرؤوا إن شئتم (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة(الآية قالوا : يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب ، قال : فهل الناس إلا هم " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية أنه قال : ما أشبه الليلة بالبارحة ، هؤلاء بنوا إسرائيل شبهنا بهم ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً ، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا .
وقال رحمه الله صحيفة (184) : وأما السنة فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال :" ماهذان اليومان ، قالوا : كنا نلعب فيها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود بهذا اللفظ ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن حميد ، عن أنس ورواه أحمد والنسائي وهذا على شرط مسلم
وقال رحمه الله : وأيضاً مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أبو النظر يعني هاشم بن القاسم ، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي : عن ابن عمر رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من تشبه بقوم فهو منهم ،" وهذا إسناد جيد وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، كما في قوله (ومن يتولهم منكم فإنه منهم((65) وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال : من بنى بأرض المشركين ، وصنع نيروزهم ومهرجانهم ، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة ، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه ، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك . وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً .
وقال رحمه الله صحيفة (198) : وأما الإجماع والآثار فمن وجوه :
" أحدها " : ما قدمت التنبيه عليه من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم ، والمقتضى لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس ، ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك ، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك وإلا لوقع ذلك كثيراً ، إذ الفعل مع وجود مقتضيه وعدم مانعه واقع لا محالة ، والمقتضي واقع ، فعلم وجود المانع ، والمانع هنا هو الدين ، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة وهو المطلوب .
و " الثاني " أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم : أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام وسموا (66) الشعانين والباعوث ، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها ، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها ، وذلك أنا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد : إما لأنها معصية : أو شعار المعصية ، وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية ومن شعار المعصية ، ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها ، لقوة قلبه بالمسلم ، فكيف بالمسلم إذا فعلها ، فكيف وفيها من الشر ما سننبه على بعضه إن شاء الله .
ومن الآثار التي ذكرها رحمه الله ها هنا ما رواه البيهقي بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال : من بنى ببلاد الأعاجم ، وصنع نيروزهم ومهرجانهم ، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة .
ومنها أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال : دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها : زينب ، فرآها لا تتكلم ، فقال : ما لها لا تتكلم ، قالوا حجت مصمتة ، فقال لها : تكلمي ، فإن هذا لا يحل ، هذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت : من أنت ، قال : امرؤ من المهاجرين ، فقالت : من أي المهاجرين قال : من قريش قالت : من أي قريش قال : إنك لسؤول ، وقال : أنا أبو بكر ، قالت : مابقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ، قال : بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم قالت : وما الأئمة ، قال : أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم ، قالت : بلى قال : فهم أولئك على الناس .
وقال رحمه الله صفحة (27) وأما الاعتبار في مسألة العبد فمن وجوه .
" أحدها " أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه :(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً((67) وقال :(لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه((68) كالقبلة والصلاة والصيام ، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر ، والموافقة في بعض فروع موافقة في بعض شعب الكفر ، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع ، ومن أظهر مالها من الشرائع ، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره ، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه إلى أن قال :
"الوجه الثاني" من الاعتبار : أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله ، لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ ، وأحسن أحواله ـ ولا حسن فيه ـ أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس ، هذا إذا كان المفعول مما يتدين به ، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع له في دين الإسلام إلى أن قال :
" الوجه الثالث " من الاعتبار يدل أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ، ثم إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير ، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس ، بل عيداً ، حتى يضاهى بعيد الله ، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر ، إلى أن قال :
" الوجه الخامس" من الإعتبار : أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار ، فإنهم يرون المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم ، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم إلى أن قال :
" الوجه الثامن "من الاعتبار أن المشابهة في الظاهر نورت نوع مودة ومحبة وموالات في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ، إلى أن قال رحمه الله : فإذا كانت المشابهة في أمور دينية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية فإن افضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان ، قال الله تعالى :(ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين((69) .
وأما المواضع المتفرقة(70) فقال رحمه الله (ص293) :" النوع الثاني" ماجرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع ، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله ،ووصى فيها بأهل بيته ، كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي ، إلى أن قال : وليس الغرض الكلام في " مسألة الإمامة" وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً ، إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة : مثل بدر ، وحنين ، والخندق ، وفتح مكة ، ووقت هجرته، ودخوله المدينة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ، ثم لم يوجب ذلك أن تتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً ، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود ، وإنما العيد شريعة ، فما شرعه الله اتبع ، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه .
وقال أيضاً صحيفة 18 (فصل) إذا تقرر هذا الأصل في مشابهة الكفار فنقول : موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من الطريقين " الأول العام" : هو ما تقدم من أن هذه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا ولا عادة سلفنا ، فيكون فيه مفسدة موافقتهم ، وفي تركه مصلحة مخالفتهم ، حتى لو كانت موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم ، لما في مخالفتهم من المصلحة لنا كما تقدمت الإشارة إليه .
وقال رحمه الله ص 267 (فصل ) ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة ، فإنها من المنكرات المكروهات ، سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه ، وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهى عنها لسببين :
أحدهما : أن فيها مشابهة الكفار
و " الثاني " أنها من البدع
فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وأن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لوجهين:
" أحدهما" : أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات ، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ، ويقول : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي :" وكل ضلالة في النار" وفيما رواه أيضاً في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي لفظ في الصحيحين :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" وهذه قاعدة دلت عليها السنة والإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً ، قال تعالى :( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله((71) إلى أن قال : وقد قال سبحانه :(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلا إلاهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون((72) .
قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم :" يا رسول الله ما عبدوهم قال : ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم " انتهى
وأما " الخاتمة" فقد جاء الكتاب والسنة والإجماع بوجوب طاعة الله ورسوله ، والرد عند التنازع إلى الله والرسول ، وتحريم الخروج عن سبيل المؤمنين ، وتحريم طاعة العلماء والعباد والأمراء في معصية الله ، فقال تعالى :(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ((73) وقال تعالى :(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً((74) وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف " والآيات والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تستقصى فإنه لا طاعة لمخلوق في خلاف ما أمر الله به ورسوله سواء كان من العلماء أو الأمراء والعباد ، قال شيخ الإسلام إمام الدعوة قدس الله روحه في " كتاب التوحيد " ما نصه : " باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أرباباً من دون الله " وقال ابن عباس :يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر ، وقال الإمام أحمد : عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ، والله تعالى يقول :(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (75) أتدري ما الفتنة ، الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ، وعن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون( فقلت له : إنا لسنا نعبدهم قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ، فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه انتهى . والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
تحريراً في 19/5/1385هـ) (76)
الفتاوى له (3/107)
* *
فتاوى اللجنة : فتوى رقم 9403( 3/59(