رد: بروتوكولات حكماء صهيون
كُتب : [ 24 - 07 - 2009 ]
4ـ ذعر اليهود لنشر البرتوكولات واثر ذلك :
وقع الكتاب في يد نيلوس سنة 1901، وطبع منه نسخاً قليلة لأول مرة بالروسية سنة 1902 فافتضحت نيات اليهود الاجرامية، وجنّ جنونهم خوفاً وفزعاً، ورأوا العالم يتنبه إلى خططهم الشريرة ضد راحته وسعادته، وعمت المذابح ضده في روسيا حتى لقد قتل منهم في احداها نحو عشرة آلاف، واشتد هلعهم لذلك كله، فقام زعيمهم الكبير الخطير تيودور هرتزل أبو الصهيونية، وموسى اليهود في العصر الحديث يلطم ويصرخ لهذه الفضيحة، وأصدر عدة نشرات يعلن فيها أنه قد سرقت من "قدس الأقداس" بعض الوثائق السرية التي قصد اخفاؤها على غير أصحابها ولو كانوا من أعاظم اليهود، وأن ذيوعها قبل الاوان يعرض اليهود في العالم لشر النكبات، وهب اليهود في كل مكان يعلنون أن البرتوكولات ليست من عملهم، لكنها مزيفة عليهم، ولكن العالم لم يصدق مزاعم اليهود للاتفاقات الواضحة بين خطة البرتوكولات والاحداث الجارية في العالم يومئذ، وهذه الاتفاقات لا يمكن أن تحدث مصادفة لمصلحة اليهود وحدهم،وهي أدلة بينة أو قرائن اكيدة لا سبيل إلى أنكارها أو الشك فيها، فانصرف الناس عن مزاعم اليهود، وآمنوا ايماناً وثيقاً أن البروتوكولات من عملهم، فانتشرت هي كما انتشر تراجمها إلى مختلف اللهجات الروسية وانتشرت معها المذابح والاضطهادات ضد اليهود في كل أنحاء روسيا حتى لقد قتل منهم في احدى المذابح عشرة آلاف، وحوصروا في احيائهم كما قدمنا.
واستقبل اليهود في الدفاع عن انفسهم، وسمعتهم المهتوكة، وجدوا في اخفاء فضيحتهم أو حصرها في أضيق نطاق، فأقبلوا يشترون نسخ الكتاب من الأسواق بأي ثمن، ولكنهم عجزوا، واستعانوا بذهبهم ونسائهم وتهديداتهم ونفوذ هيئاتهم وزعمائهم في سائر الأقطار الأوروبية لا سيما بريطانيا لكي تضغط على روسيا دبلوماسياً، لايقاف المذابح ومصادرة نسخ الكتاب علنياً، فتم لهم ذلك بعد جهود جبارة.
ولكن نيلوس أعاد نشر الكتاب مع مقدمة وتعقيب بقلمه سنة 1905، ونفدت هذه الطبعة في سرعة غريبة بوسائل خفية، لأن اليهود جمعوا نسخها من الأسواق بكل الوسائل واحرقوها، ثم طبع في سنة 1911 فنفدت نسخه على هذا النحو، ولما طبع سنة 1917 صادره البلاشفة الشيوعيون الذين استطاعوا في تلك السنة تدمير القيصرية، والقبض على أزمة الحكم في روسيا، وكان معظمهم من اليهود الصرحاء أو المستورين أو من صنائعهم، ثم اختفت البروتوكولات من روسيا حتى آلان.
وكانت قد وصلت نسخة من الطبعة الروسية سنة 1905 إلى المتحف البريطاني British Museum في لندن ختمت بخاتمه، وسجل عليها تاريخ تسلمها (10 أغسطس سنة 1906) وبقيت النسخة مهملة حتى حدث الانقلاب الشيوعي في روسيا سنة 1917، فوقع اختيار جريدة "المورننغ بوست Morning Post" على مراسلها الأستاذ فكتور مارسدن ليوافيها بأخبار الانقلاب الشيوعي من روسيا، واطلع قبل سفره على عدة كتب روسية كانت من بينها البرتوكولات التي بالمتحف البريطاني، فقرأ النسخة وقدر خطرها، وراى ـ وهو في سنة 1917 ـ نبوءة ناشرها الروسي الاستاذ نيلوس بهذا الانقلاب سنة 1905، أي قبل وقوعه بإثنتي عشرة سنة، فعكف المراسل في المتحف على ترجمتها إلى الانجليزية ثم نشرها، وقد أعيد طبعها مرات بعد ذلك كانت الأخيرة والخامسة منها سنة 1921 (ومنها نسختنا)، ثم لم يجرؤ ناشر في بريطانيا ولا أمريكا على طبعها بعد ذلك كما يقول مؤرخ انجليزي معاصر هو العلامة دجلاس ريد في كتابه على الحركات السرية المعاصرة، ودون أن نطيل القول في أسباب صمت الناشرين عنها ـ على ما وضحها الاستاذ ريد ـ نتبين أصابع اليهود من وراء كل صمت مريب.
وفي سنة 1919 ترجم الكتاب إلى الألمانية، ونشر في برلين، ثم توقف طبعه بعد أن جمعت أكثر نسخه، وكان هذا مظهراً من مظاهر نفوذ اليهودية في المانيا، قبل انتصارها عليها بعد الحرب العالمية الأولى، كما انتصرت عليها خلالها، إذ كانت ألاعيبها ودسائسها قد امتدت أثناء الحرب من الساسة إلى قادة الجيوش والاساطيل بين الألمان، وكانت سبباً من أكبر أسباب هزيمة المانيا في تلك الحرب الضروس، ومن أظهر آيات ذلك انسحاب الاسطول الألماني وهو منتصر ظاهر أمام الأسطول الإنجليزي في معركة جتلاند Jutland Battle[3] وقد استشهد البريطان في مقدمة طبعتهم الخامسة للبرتوكولات على صحة نسبتها إلى اليهود وسعيهم وفق خططها ببيانات هذه المعركة ونتيجتها، وان كانوا قد بالغوا حين حملوا اليهود كل مسؤوليات الحرب العالمية الأولى ومصرع روسيا وهزيمة المانيا وما اعقب الحرب من ويلات عاتية، شملت كل بقعة على هذا الكوكب.
ومع محاولات اليهود الجبارة اخفاء أمر البرتوكولات عن العيون انتشرت تراجمها بلغات مختلفة في فرنسا وايطاليا وبولونيا وامريكا عقب تلك الحرب، وعم انتشارها وأثرها في تلك البلاد، ولكن سرعان ما كانت تختفي دائماً من مكتباتها بأساليب محيرة حيثما سطعت في الظهور، والى جانبه البرتوكولات، فحاول اليهود منعها، فلما عجزوا بشتى أساليبهم عن اقناعها احرقوا مطبعتها.
ومن المتعذر أن نتتبع رحلة هذا الكتاب العجيب في بلاد العالم بين الظهور والاختفاء. ولكنا نشير إلى بعض وقائعه في بريطانيا لأننا بها أعلم، وبقصد كتابها أوثق، وهي مثل يدل على سواه، وحسبنا هنا أن نصور قطرات مما سالت به اقلام كتابها حول البروتوكولات عقب الحرب العالمية الأولى التي صليت نيرانها معظم أمم العالم كبارها وصغارها، وبددت في سعيرها كثيراً من كنوز شبابها وأخلاقها وعقائدها وروابطها وأموالها، ولم يخرج منها سالماً غانماً الا اليهود، حتى رأى أحد كتاب البريطان ان الهتاف الصحيح يومئذ هو "اليهودية فوق الجميع Jewry ueber Alles لا هتاف الغرور "المانيا فوق الجميع" الذي جعلته المانيا شعارها أيام ازدهارها عقب انتصارها على فرنسا في الحرب السبعينية (1870) ومناداتها بملك بروسيا امبراطوراً على المانيا في حفل تتويجه بقصر فرساي في قلب فرنسا، ثم ضمنت المانيا هذا الشعار نشيدها القومي وجعلته عنواناً له، ولم يزل كذلك حتى تمت هزيمتها في تلك الحرب.
وقد نعى الكاتب البريطاني على امته يومئذ مقاومتها الخطر الألماني الذي غلبته في تلك الحرب دون الخطر اليهودي الذي أهملته وان كان أخفى وأكبر، وكذلك وجه نظر أمته يومئذ إلى الصلات القوية بين البروتوكولات الصهيونية وسقوط روسيا في أيدي البلاشفة ـ ومعظمهم من اليهود ـ عقب مصرع القيصرية فيها سنة 1917، وقد أحدث سقوطها يومئذ من الدوي في آذان البشر، ومن الروع في نفوسهم ما يحدثه منظر جبل يخر في بحر زاخر فيتتابع ارغاؤه وازباده، وكانت بوادر الفظائع البلشفية اليهودية في روسيا تؤرق أجفان الأمم الحرة توجعاً لشعبها الهائل المسكين الذي كان يتقلى في رمضاء القيصرية، ويتفزز للنجاة منها، فوقع في جحيم الشيوعية اليهودية، ولاح بعد ظهور البروتوكولات ـ أبان تسعر تلك الجحيم بضحاياها ـ ان خططها تطبق في وحشية على ذلك الشعب المسكين، وتمتد السنتها سراً وجهراً إلى سائر الشعوب الأوروبية، ولا سيما الشعوب التي تتاخم روسيا أو تدانيها في أوروبا الشرقية والوسطى، عن طريق اثارة القلاقل والفتن والاضرابات والاغتيالات للقضاء على كل قوة وطنية وانسانية فيها كي تخر ذليلة مستسلمة تحت اقدام البلشفية اليهودية.
وكذلك تنبه بعض الكتاب الذين قارنوا بين تلك الفظائع البلشفية والبروتوكولات الصهيونية فسموا البرتوكولات "الإنجيل البشفي" بما لاحظوا بينها من توافق كجيب، كما لاحظ كاتب انجليزي
مناورات اليهود للتشكيك في نسبة الكتاب اليهم، ففند مزاعمهم بحجج كثيرة: منها ذلك التوافق العجيب بين نبوءات البرتوكولات في سنة 1901 وتلك الويلات التي رمى بها اليهود العالم كفتنة البلشفية اليهودية وغيرها من الفتن في روسيا وسائر البلاد الاوروبية، ودعا الكاتب مواطنيه وسائر الأمم المسيحية إلى الحذر من عقابيل هذه الفتنة الماردة الوحشية العمياء التي أثاروها في أوروبا ولا سيما روسيا، ولكن خطر البلشفية اليهودية ودسائسها وعنفها وخداعها وذهبها مكنت لها من الاستقرار في وكرها الجبار.
وقصر نظر بعض الساسة الاوربيين يومئذ فظنوا روسيا بعيدة حتى ليس على بلادهم منها خطر، وفطن غيرهم من الساسة إلى مكمن الخطر ولم يخدعه ذلك البعد، ولكن الشعوب الحرة كانت قد وضعت كل أصابعها في آذانها واستغشت ما بقي من ثيابها، حتى لا تسمع نداء الحرب أو ترى ميداناً لها بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى التي استمرت نحو خمس سنوات حتى استنزفت معظم جهود المحاربين فيها غالبين ومغلوبين.
وهذه ترجمة نبذة لكاتب انجليزي نراها تلخص نظره إلى مجمل هذا الموقف عندما كتبها في أغسطس سنة 1920، قال:
"في مايو سنة 1920 نشرت جريدة "التيمس" مقالاً عن "الخطر اليهودي" سمته "رسالة مقلقة: دعوة للتحقيق". ومنذئذ بدأت جريدة "المورننغ بوست" بمجموعة من المقالات في 12يوليه تنشر "تحقيقاً" مضنياً جداً تحت عنوان "العالم المضطرب: خلف الستار الأحمر". وقد سمى كاتبها البرتوكولات يومئذ "الإنجيل البلشفي" وهي تسمية منه بالغة الجدارة.
واليهود ـ سواء منهم المحافظون Orthodox وغير المحافظين Un orthodox ـ قد جحدوا بالضرورة صحة البرتوكولات ودعوها تزييفاً. غير ان المزيف ـ على فرض تزييفها ـ لابد أن يكون مزيفاً ممتازاً، ولابد أن يكون يهودياً، فما من مزيف غير ذلك يحتمل أن يكون قادراً على تزييف النبوءات فيها فحسب، فضلاً عن أن يصورها تصويراً كاملاً أيضاً.
أن الوقائع ـ لسوء حظنا نحن الجوييم Goyem (غير اليهود) ـ يمكن أن تكون أي شيء ما عدا أنها مزيفة.
ولا يمكن أن يعجز أحد، كما يقول كاتب "التيمس"، عن أن يكتشف روسيا السوفيتية في البروتوكولات، كما أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن القوميسيرين السوفيت يكادون يكونون جميعاً من اليهود. ويمضي الكاتب قائلاً: "من يتأتى الاستخفاف بملاحظة النبوءة. وقد أنجز جانب منها، على حين أن جوانب أخرى منها في طريق الانجاز؟ هل كنا نقاتل طوال هذه السنين الفاجعة[4] لننسف ونستأصل التنظيم السري لسيطرة المانيا على العالم لغير هدف الا لنجد تحته خطراً آخر أعظم لانه أشد خفاء هل تخلصنا، بتوتير كل عرق في جسم وطننا من "سلام الماني "pax Germaneca لغير شيء الا لنتورط في "سلام يهودي Pax Judaeice.
أنه ليتحتم على كل بريطاني مخلص أن يظفر بهذا الكتاب ويدرسه في ضوء الأحداث الداخلية والخارجية. وعندئذ سيعلم شيئاً عن ماهية الخطر اليهودي Jewish Peril وسيقرر لنفسه امكان الثقة باليهود ـ على أي حال ـ في حكومة هذا الوطن أو أي وطن مسيحي آخر".
5 ـ استمرار المعارك حول البروتوكولات:
وليست هذه نهاية المعارك التي أثارتها البرتوكولات، وما كان لها أن تكون النهاية، فقد
استمرت المعارك حولها تضعف أو تشتد في بريطانيا كلما ظهرت آثار العبث اليهودي بمصالحها ولا سيما خلال الهزاهز العالمية كالثورات والانقلابات والمجاعات والازمات المالية والسياسية والاجتماعية والفكرية، فكانت الصحف التي لم ينجح اليهود في السيطرة عليها ـ وفي مقدمتها المورننغ بوست والتيمس ـ تنشب هذه المعارك بشدة حول البرتوكولات، فتتجاوب اصداؤها في صحف أخرى، ولم يهمل كتابهم ومفكروهم وساستهم أمرها فشاركوا فيها بكتبهم ومقالاتهم على السواء كما يخبرنا بذلك المؤرخ الانجليزي الجريء دجلاس ريد صاحب كتاب "من الدخان إلى الخنق" في بحثه عن الحركات السرية المعاصرة.
وقد ازدادت هذه المعارك حول البروتكولات عنفاً خلال الحرب العالية الثانية وفي أدبارها، عندما حاول اليهود جهدهم تسخير بريطانيا لاقامة دولتهم "إسرائيل" واجلاء العرب عن فلسطين وتخوم سينا الشرقية في مصر، مهدرين بذلك مصالح بريطانيا وسمعتها وهيبتها، وعاثت العصابات الاسرائيلية فسادا في تلك البقعة المقدسة: تقتل جنود بريطانيا الذين يحمونها ويمهدون السبيل لاقامة دولتهم رغم انوف البلاد العربية وغيرها، ولم تفرق في التنكيل بينهم وبين العرب، بل كانت تقتل من البريطانيين كل من تأنس منه تراخياً في تأييد سياستها الاجرامية، ومن ذلك، قتل ارهابيين منها للورد "موين" الوزير البريطاني في مصر خلال الحرب لانه أبي التطرف مع تلك العصابات في مطالبها الفاضحة الجامحة، وتعرضت مصر يقتله لكارثة لم يكن يعلم مداها الا الله لو لم يقبض للشرطة في مصر القبض على الارهابيين القاتلين.
وقد أثار تقتيل العصابات الاسرائيلية للبريطانيين عسكريين ومدنيين، ونسفها لمنشآتهم وعدوانها على مخازن أسلحتهم وذخائرهم ـ غضب كثير من أحرارهم وفيهم الساسة ذوو السلطان في الحكم كالوزراء وأعضاء البرلمان، ولكنهم أمام نفوذ الصهيونية العالمية في أوروبا وأمريكا خابوا في القصاص من العصابات الاسرائيلية وفي وقف نشاطها المدمر، لا ضد العرب فحسب بل ضد ضحاياها من رجالهم واملاكهم، بل خابوا في وقف مساعدات حكوماتهم المتوالية لتلك العصابات التي ما كانت لتستطيع بغير هذه المساعدات أن تتمادى في عدوانها عليهم وعلى العرب، ولكن توالي المساعدات هو الذي مكن لتلك العصابات في عدوانها إلى حين قيام إسرائيل وفيما بعده حتى الآن .
وخلال ذلك كله كان ذوو الاقلام الحرة الجريئة بين الساسة والصحفيين والمفكرين والادباء في بريطانيا يبدءون ويعيدون في حديث المؤامرة الصهيونية ضد بلادهم ودينهم كما تدل عليها الفتن العالمية وأقوال زعماء اليهود معاً في أوروبا وأمريكا والشرق الادنى خلال القرنين الاخيرين، ومضوا يقارنون ويوازنون في حديث المؤامرة بين صورتها الواضحة من تلك الفتن والأقوال وصورتها من الوثائق السرية المنسوبة اليهم ولا سيما البرتوكولات، وينتهون من هذه الدراسة إلى نتائج بسيطة، ولكنها مع بساطتها مدهشة معجبة، منها صحة نسبة تلك الوثائق ـ وفي مقدمتها البرتوكولات ـ آبائها من اليهود أصحاب الحركة الصهيونية، لأن الشواهد من الفتن والأقوال اليهودية الصريحة في القرنين الأخيرين بل الأقوال المشابهة لها في التوراة ثم التلمود ثم فتاوى الربانيين اليهود بعد ذلك تعزز صحة هذا النسب العبراني اليهودي اللئيم.
وسواء أكان الحافز لهؤلاء الكتاب الأحرار وغيرهم في بلاد العالم هو الغيرة القومية أو الدينية أو نحوها أم الغيرة الإنسانية وهي أنبل وأكرم فانهم يقدمون نتائج دراساتهم الوثيقة أمام العيون المفتوحة وأمام العيون التي يغمضها الجهل أو الغفلة أو الهوى على السواء، لتبصر الجحيم التي أعدها اليهود لسائر أمم العالم بأديانها وقومياتها وثرواتها ونظامها أن قدر لهم أن يسيطروا عليها، ولتبصر الويلات التي يعدونها لها في الطريق نحو تلك الخاتمة. لو لم يتمكنوا من اسقاطها في هذه الجحيم. ومن دراسات هؤلاء الكتاب الاحرار هناك مقالات صحفية[5]، وفصول من كتب[6] بل لقد ظهرت كتب خاصة[7] بتوضيح خطط البرتوكولات واهدافها ووسائلها معززة بالشواهد الكثيرة من الفتن العالمية وتصريحات قادة اليهود في القرنين الأخيرين، ومع مقارنتها بتصريحات الكتب اليهودية المقدسة كالتوراة والتلمود ثم فتاوى حكماء (حاخامات) اليهود وصلواتهم وتعليماتهم التي تحفظها دفاترهم وصحفهم وسجلاتهم في المدارس والمعابد والخزائن.
وشاع أنه ما من أحد ترجم هذا الكتب أو عمل على إذاعته بأي وسيلة الا انتهت حياته بالاغتيال أو بالموت الطبيعي ظاهراً ولكن في ظروف تشكك في وسيلته، وأفزعت هذه الشائعة بعض الناس ومنعتهم ترجمته، ومن ذلك أن جريدة "الاساس" ـ احدى جرائدنا المصرية ـ تمكنت في سنة 1946 من الحصول بوسيلة صحفية على نسخة للبرتوكولات مكتوبة بالآلة الكاتبة لقاء ثمانين جنيهاً، ودفعت النسخة إلى الأستاذ (أ.م) أحد المترجمين فيها، وطلبت منه ترجمتها لقاء أجر إضافي كاف لاغرائه، فأحجم عن ترجمتها برهة، بعد أن بلغته تلك الشائعة وسأل عن صحتها أديباً كبيراً فينا فلم يكذبها الأديب الكبير، بل قابله بالابتسام والدعابة في الجواب عما سأله. وقد لقيني ذلك المترجم يوماً في دار "الاساس" سنة 1947، وأبلغني هذا كله، فلما علم انني فرغت من ترجمة البروتوكولات، وأني سأنشرها تباعاً في "مجلة الرسالة" حذرني كثيراً، فلما رأى إصراري لقبني "الشهيد الحي" وكرر نصيحتي بالحذر[8]
6ـ ندرة نسخ الكتاب ووسائل اليهود في منع تداوله:
من أجل ذلك وغيره كانت نسخ الكتاب اليوم قليلة، بل نادرة مفرطة الندرة، وحسبك من كتاب صفحاته مائة أو دونها من القطع المتوسط تباع نسخته مكتوبة على الآلة الكاتبة لقاء ثمانين جنيهاً كما أشرنا هنا، وقد اخبرني أحد[9] سفرائنا المصريين في أحد الأقطار الشرقية الآن ـ أثناء اقامته في فرنسا، ونشرت مجلة "روز اليوسف" المصرية في عدها 1211 في 28/8/1951 مقالة عنوانها "روز اليوسف تحصل على أخطر كتاب في العالم" وقد صدرت مقالتها بهذا النص "تمكنت احدى الجهات المصرية الرسمية من الحصول على كتاب خطير "الخطر اليهودي:
بروتوكولات حكماء صهيون" دفعت ثمناً له خمسمائة جنيه..ولعل هذه النسخة التي حصلت عليها الجهة الرسمية هي الوحيدة الموجودة في الشرق، واحدى ثلاث نسخ موجودة في العالم" ومع حذف المبالغة التي توحي بها المهنة الصحيفة في هذا الخبر تبقى حقيقة مؤكدة هي ندرة نسخ الكتاب بسبب نفوذ الصهيونية العالمية وأنصارها، وبتوقي الناس غضبهم وغضبها في بلاد العالم.
كما عرفت من موظف كبير في جامعة الدول العربية (الاستاذ ع.خ) ـ أثناء اجتماعي به في دار مجلة "الرسالة" ـ أن خلاصة لهذا الكتاب في صفحات طبعت بالعربية في سورية، فبيعت كل نسخة من الخلاصة بنحو جنيه مصري، وقد تطوع صاحبها بنسخها لتباع ويرصد ثمنها معونة لجمعية خيرية هناك، مبلغ علمي ان هذا الكتاب لم يترجم كله ترجمة عربية امينة وافية قبل ترجمتي هذه، وأنه ـ كذا قال المؤرخ الكبير المستر دجلاس ريد ـ لم يجرؤ ناشر في أوروبا ولا أمريكا على طبعه بأي لغة منذ سنة 1921.
وما تعرض إنسان لترجمة الكتاب ونشره الا تعرض للحملات العنيفة من الصهيونيين وصنائعهم، وعندما شرعت في نشر البروتوكولات في جريدة "منبر الشرق"[10] يهوديتان تصدران في مصر تهاجمانني وتتهمانني بتهم عدة، ولم أتتبع هذه الحملة، ولا أهمني أمرها، إذ كنت انتظرها فلما جاءت على موعد لم تفاجئني بجديد.
وقد اشرت قبل ذلك إلى أن اليهود كانوا يطعنون في نسبة الكتاب اليهم منذ نشره نيلوس لأول مرة بالروسية سنة 1902 وانهم كانوا ـ أين طبع، وبأي لغة طبع ـ يحاولون جمع نسخه من الأسواق بكل الطرق الحلال والحرام، وكانوا يحملون الحكومات على مصادرته فأبى الوزير ذلك، وحجته أنه لا يملك حق مصادرته، ثم وضح للنواب الثائرين أن عليهم ان يلجأوا إلى القضاء اذا كانوا يرون الكتاب مختلقاً على اليهود، فأفحم الثوار من النواب المتحمسين للصهيونية. بعد هذه الخيبة التي مني بها وكلاؤهم في مجلس العموم لم يجد اليهود مفراً من شراء نسخ الكتاب، ثم شراء ضمائر ذوي الاقلام العوجاء بالمال والنساء وغيرهما لايقاف الحملات ضدهم بمثلها، كما لجأوا للشتم والسباب البذيء وهكذا كانت خطتهم معي منذ نشرت البروتوكولات في "منبر الشرق".
وهكذا فعلوا ايضاً في فرنسا عندما أعلن عن قرب صدور الكتاب، وضغطوا على الحكومة الفرنسية لمصادرته ففشلوا، واحالتهم على المحاكم، وكانوا في كل بلد الا سويسرا يتجنبون رفع الأمر إلى المحاكم، لأن القضاء لابد أن يدمغهم بكل ما في البروتوكولات من مخاز وفضائح، وهذا ما يرون على تجنبه، وهناك وسائل سوى ما ذكرناها من النساء والاموال يلجأ إليها اليهود لمنع الكتاب من التداول ومنع تأثيره، أو حصره في أضيق نطاق.
من هذه الوسائل ما تقرره بروتوكولاتهم، وكتبهم المقدسة: كالتهديد والارهاب والقتل غيلة للتخلص من كل عدو خطر، وامامهم في هذا نبيهم موسى كما تصوره لهم التوراة، فانه حين رأى مصرياً وعمانياً يقتتلان التفت هنا وهناك "فلما لم يجد أحداً قتله وطمره في الرمل" وهذا المثل ـ في كتاب شريعتهم المقدس ـ يوضح لهم الطريق الذي يتخلصون به من كل اعدائهم، وعن هذا الطريق الرهيب اختفى أو اغتيل كثير من ذوي الأقلام الحرة الذين لم تنجح الأموال والنساء والمناصب والتهديدات في استمالتهم إلى صف اليهود، أو في وقف حملاتهم عليهم. وهؤلاء الأحرار كلهم أو كثير منهم اختفوا أو اغتيلوا أو ماتوا طبيعياً ولكن في ظروف غريبة وطرق مريبة تستعصي على الفهم.
7 ـ اقسام الكتاب وعنوانه [11]
لاحظ الاستاذ نيلوس في مقدمته التي نقلناها عنه هنا أن أقسام هذه الوثائق "ليست مطردة اطراداً منطقياً على الدوام" ونزيد على ملاحظته، أن موضوعاتها متداخلة، فلم يتناول كاتبها كل موضوع على حدة في بروتوكول أو أكثر، ولم يضعه موضعه المناسب، بل أنه وزع بعضها اعتسافاً في مواضع متعددة لأدنى ملابسة حيناً ولغير مناسبة حيناً آخر.
ولم اجد في الطبعة الانجليزية الخامسة التي ترجمتها هنا ترقيماً مسلسلاً للبروتوكولات الا ارقاماً في الفهرس تشير إلى بدايتها في متن الكتاب، وكل ما يدل على موضع البداية لبروتوكول منها في المتن انما هو فراغ بمقدار سطر حيناً أو فاصل بثلاثة نجوم (***) حيناً ، أولا فراغ ولا فاصل وان دل عليه استئناف الكلام في موضوع جديد.
كما لم اجد عنواناً لكل بروتوكول يدل على موضوعه أو موضوعاته، ونظن ـ والظن لا يغني من الحق ـ أن المترجم الانجليزي كان كعادة القوم محافظاً على التقسيم الذي وجده في النسخة الروسية التي نقل عنها ، وهي نسخة من الطبعة الروسية الثانية 1905، كان مترجمها وناشرها الأول في العالم هو الأستاذ نيلوس كما اشار الى ذلك "البريطان" في مقدمتهم للطبعة الانجليزية الخامسة التي نقلناها هنا أيضاً.
ولوثائق كتابنا هذا عنوان، اقدمهما هو "بروتوكولات حكماء صهيون ـ Brotocols Of Learned Elders of Xio"، وهذا هو العنوان الأشهر الذي عرفت به الوثائق في جميع اللغات، وتكاد لا تعرف بغيره حتى في اللغة الانجليزية التي اضافت إليه عنواناً آخر أقل شهرة.
وواضع هذا العنوان الأقدم الأشهر للوثائق هو الأستاذ الروسي سرجي نيلوس أول ناشر لها في العالم، كما تدل على ذلك مقدمته لطبعتها الروسية الثانية التي ترجمناها هنا. وعلى ذلك تدل أقوال أخرى لمن اهتموا بدراسة البروتوكولات وتاريخها ونقدها أو الدفاع عنها، وبعض هذه الأقوال للأستاذ نيوس أيضاً.
وهذا العنوان "فيه نظر" كما كان يلفظ اسلافنا من العلماء المحققين في تحديدهم لمعاني الألفاظ أو الآراء الغامضة حتى لا تختلط على الأذهان. فقد غمض معنى "بروتوكول"على بعض المترجمين فاختطأوا فهم حقيقة الوثائق ونظامها، وأوقعوا معهم بعض القراء والدارسين في هذا الخطأ. وبيان ذلك أن كلمة "بروتوكول" تعني أحياناً "محضر جلسة "فلما سمى الاستاذ نيلوس هذه الوثائق "برتوكولات" ظن بعض المترجمين أن طائفة بين كبار زعماء الصهيونية في الدرجة الثالثة والثلاثين في جماعة الماسونية اليهودية ـ كما وقعت الوثائق ـ قد ائتمروا في عدة جلسات، وبعد المناقشة اتفقوا خلالها على عدة قرارات منها هذه الوثائق، فصح أن تسمى "برتووكولات" كما سماها نيلوس مع التجوز الكثير. ومن هنا ترجم بعضهم عنوانها بما يدل على ذلك، ومن تراجمها في العربية كلمة "قرارات" و"مقررات".
وليس الأمر كما فهم هؤلاء المترجمين ومن تبعهم في هذا الخطأ إذ ليس في الوثائق أدنى اشارة إلى ذلك، ولا في قراءتها الفاحصة ما يوحي إلى الوعي شيئاً منه، بل يوحي هذا بما وعى منها الأستاذ نيلوس وذكره صراحة في مقدمته إذ قال:
"نحن لا نستطيع أن نغفل الاشارة إلى أن عنوانها لا ينبق تماماً على محتوياتها، فهي ليست على وجه التحديد مضابط جلسات Minutes of meetings بل هي تقرير وضعه شخص ذو نفوذ، وقسمه اقساماً ليست مطردة أطراداً منطقياً على الدوام، وهي تحملنا على الاحساس بأنه جزء من عمل أخطر وأهم بدايته مفقودة، وان كان أصل هذه الوثائق السالف ذكرها ليعبر هنا بوضوح عن نفسه".
ويبدوا لنا ان الاستاذ نيلوس مصيب في هذا الرأي، فالوثائق ليست مضابط جلسات كما تدل عليها كلمة "بروتوكولات" التي اختارها اسماً لها فأوقع بتسميته كثيراً من القراء في الخطأ ولكن الوثائق محاضرة طويلة ألقاها زعيم موقر المكانة على جماعة من ذوي الرأي والنفوذ بين اليهود ليستأنسوا بمضامينها تقريراً وتنبؤاً فيما هم مقدمون عليه بعد، حتى تقوم مملكة اسرائيلية تتسلط على كل العالم، ويظهر أن المحاضرة قد ألقيت في أكثر من جلسة كما تدل فاتحة البروتوكول العاشر الذي بدأ هكذا "اليوم سأشرع في تكرار ما ذكر من قبل…"، وفاتحة البروتوكول العشرين، إذ قال "سأتكلم اليوم في برنامجنا المالي الذي تركته إلى نهاية تقريري لأنه اشد المسائل عسراً..".
واذا اعتبرنا هذا أمكننا الظن بأن الوثائق محاضرة ألقيت في ثلاث جلسات: ألقيت في اولاها البروتوكولات التسعة الأولى، وألقيت في الجلسة الثالثة البروتوكولات الخمسة الختامية (20 ـ 24) التي بسط في معظمها البرنامج الحالي، ولخص ما سبقه،ثم وضح نظم الحكم في الدولة العالمية المنتظرة.
وقد لاحظت ذلك في قراءاتي الأولى للوثائق،فلما أردت ترجمتها حرت طويلاً في ترجمة كلمة "بروتوكولات"، وسألت عنها المعاجم ومطالعاتي الكثيرة وفقهي بلغتنا، كما سألت كثيراً من رواد الفكر والترجمة عندنا فلم أسترح إلى كلمة مما سمعت في ترجمتها، وكانت أمامي كلمات كثيرة مثل "قرارات" و"مقررات" و"محاضر" و"مضابط جلسات" ونحوها فعدلت عنها جميعاً وأبقيت على اصل الكلمة معربة وآنسني منها كثرة استعمالها بيننا في المداولات السياسية على الألسنة وصفحات الجرائد والمجلات.
وكانت حيرتي ايسر في ترجمة Learned Elders التي تعني العارفين من أكابر السن، فترجمتها "شيوخ" كما ينبغي للعناوين من اختصار، وتحت عنوان"بروتوكولات شيوخ صهيون" نشرت أوائل الوثائق في مجلة "الرسالة" ثم نشرتها كاملة في مجلة "منبر الشرق" بعد توقف الأولى عن اتمام نشرها[12].
ولكني عدلت عن كلمة "شيوخ" التي اخترتها أولاً، وعن كلمة "عقلاء" التي اختارها مترجم مجلة "روز اليوسف" حين أشار إلى عثور حكومتنا على نسخة من هذا الكتاب مع أننا كنا فرغنا من نشر وثائقه كلها في "منبر الشرق" وعدلت عن كلمة "مشيخة" التي اختارها أديب عندنا كبير،، ورددها في مقالاته وأحاديثه الاذاعية في حملاته على "الصهيونية العالمية"، وآثرت كلمة "حكماء" لأنها أوفى دلالة من كلمة "عقلاء" وأوقع من الكلمتين "شيوخ" و"مشيخة" وأولى أن لا تختلط بما نلقب به للتوقير علماءنا المسلمين بين رجال سائر الأديان. وهذا العنوان "بروتوكولات حكما ء صهيون" هو الذي شاع ترجمة لعنوان الوثائق بعد أن طبعناها كتاباً، وفاض صيته بين قراء العربية ولا سيما الساسة والأدباء والمفكرين، حتى أن هيئة من هيئات الدعاية والنشر اختارته عنواناً لهذه الوثائق حين طبعتها، بعد أن ادعت أنها ترجمتها عن أصل فرنسي، وأخذت من ترجمتنا فقراً كاملة بحروفها وبدايتها ونهايتها، بل تصحيفاتها المطبعية، وكان عنواننا عنوان غلافها، بعد أن نسيت الهيئة النشيطة الواعية انها وضعت للكتاب من داخله عنواناً آخر هو "بروتوكول حكماء صهيون".
وأما العنوان الثاني للوثائق ـ وهو دون الأول شهرة ـ فهو "الخطر اليهودي" وواضعه هو الأستاذ فكتور مارسدن مراسل جريدة "المورننغ بوست" اللندنية، وهو الذي ترجم الوثائق من الروسية إلى الانجليزية، وأضاف لها هذا العنوان إلى عنوانها الأول وقدمه عليه في طبعته، وكتبه بحروف أكبر ليزيده تنويهاً، وقد اتبعناه نحن في ترجمتنا العربية عنه، لا لمجرد الأمانة، في النقل فحسب بل لأن الكتاب في تقديرنا جدير بالعنوان ايضاً.
ولقد أصاب المراسل الحصيف فيما اجتهد واختار، إذ لم ينظر إلى الحركة الصهيونية في العالم بمعزل عن تأييد جميع اليهود كما نظر ـ وما يزال ينظر ـ إلى غيره من الهواة الهازلين الذين يتعاطون السياسة ودراسة النظم الاجتماعية والحركات التاريخية ظالمين، دون فقه بفلسفة التاريخ والبواعث الخفية من وراء تياراته المحلية والعالمية، فمهما يكن من تبرئة سائر اليهود من مشاركة الصهيونيين مساعيهم لفرض سلطان اليهودية محلياً أو عالمياً فلا شك أن هؤلاء الأبرياء ـ على أضعف الوجوه ـ ضالعون في الحركة الصهيونية بالعطف، والرغبة في النجاح والمساعدة التي لا تعرضهم لنقمة الأمة التي يعيشون فيها، ولنقمة الحكومة التي يخضعون لسلطانها، ولاشك أن الحركة الصهيونية تستفيد من كل يهودي في العالم بطريق مباشر على هواها وهواه، وبعض هؤلاء قد يخالفها سراً أو جهراً في خططها أو وقت تنفيذها ولكنه لا يخالفها أبداً في الغاية التي تمليها عليه شريعته الموسوية لو لم تكن هناك حركة صهيونية، وليس من المنتظر أن يخذلها عند المحن، أو تختلف بواعثه في مساعيه واعماله عن بواعثها، وهذه البواعث عندنا أهم من الوسيلة والغاية لأنها هي التي تحدد الوسائل والغايات وتدبر لها ما ينبغي من مساعدات. واذا لم يفعل اليهودي ذلك من جانب الايمان بالحركة الصهيونية أو بشريعته الموسوية فمن جانب الغيرة القومية التي لم تخل منها نفس يهودي في أحلك العهود ولا اشدها اشراقاً، وقد تجد اليهودي ملحداً منكراً لكل دين، بل منكراً لكل اساس ديني في الحياة، وهو مع ذلك من غلاة الدعوة الصهيونية، ومن هؤلاء العلامة النابغة ماركس نورد او الذي كان ملحداً مجاهراً ينكر كل أصل غيبي للدين وللأخلاق أيضاً،وكان مع كل ذلك من رؤوس المؤسسين للحركة الصهيونية ومن أقوى دعاتها بقلمه ولسانه، بل كان داعيتها في كل ما كتب وخطب ظاهراً وباطناً حيث أراد ذلك وحيث لم يرده بحكم نزعته اليهودية المركزة أصولها في أخفى طوايا سريرته، وبحكم وروثاته مأثوراته واسلوب حياته جمعاً. وهي ناضجة على كل آثاره الكريهة بلا خفاء.
وإنه لمن الافراط في الجهل والغفلة والهوى أن يخطر على عقل قابل للفهم أن يهودياً يتمنى مخلصاً خيبة الحركة الصهيونية أو فشلها، مهما يخالفها في خططها أو مراحلها أو وسائلها أو مواقيتها، وأبعد من ذلك في الشطط ان يستريح عقل إلى أن يهودياً يسعى مخلصاً لمقاومة الحركة الصهيونية بقلمه أو لسانه أو نفوذه أو مال وإن رآه يغمد سيفه في قلب فرد أو هيئة من اتباعها أو اتباع حركة سواها، ومهما يتعاد اليهود أو يتفانوا طوعاً لما رسخ في نفوسهم من البغضاء والضراوة بالشر فلا اختلاف بينهم على من يكون الضحايا، والضحايا هم أنا وانت من الأمميين الذين حرمهم الله شرف النسب اليهودي فانهم يرون أنهم وحدهم "شعب الله المختار" وما عداهم "أشياء" هي ملكهم وحدهم يتصرفون فيها على ما يشاءون دون قيد الا مصلحة اليهود الخاصة، فهكذا تملي عليهم التوراة والتلمود ونصائح سائر الأئمة بينهم والزعماء.
ومن أعجزه فهم ذلك لم يعجزه التصديق بابعد المستحيلات، وهو قابل لأن يفقه شيئاً في المجلات السياسية والاجتماعية ولو كان من العلم بغيرها في أعلى مكان، وإن أمة يكون لمثل هذا الآدمي المسكين يد في تصريف شؤونها العليا ـ لا سيما خلال الأزمات ـ لهي أشد منه مسكنة وأولى بأبلغ الرحمة. ومصيرها لا شك الفناء وما هو شر من الفناء.
8 ـ الناس يهود وجوييم أو أمم:
قديماً قسم الرومان الناس قسمين: رومانا وبرابرة، وقسمهم العرب قسمين: عرباً وعجماً، وقسمهم اليهود منذ خمسة وثلاثين قرناً قسمين: يهوداً وجوييم أو أمماً "أي غير يهود". ومعنى جوييم[13] عندهم وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس. وإليك البيان:
يعتقد اليهود أنهم شعب الله المختار وانهم أبناء الله وأحباؤه[14]، وانه لا يسمح بعبادته ولا يتقبلها الا لليهود وحدهم لهذا السبب هم المؤمنون فغيرهم إذن جوييم أي كفرة. واليهود يعتقدون ـ حسب أقوال التوراة والتلمود ـ أن نفوسهم وحدهم مخلوقة من نفس الله وأن عنصرهم من عنصره، فهم وحدهم أبناؤه الأطهار جوهراً، كما يعتقدون أن الله منحهم الصورة البشرية أصلاً تكريماً لهم، على حين أنهم خلق غيرهم "الجوييم" من طينة شيطانية أو حيوانية نجسة: ولم يخلق الجوييم الا لخدمة اليهود، ولم يمنحهم الصورة البشرية الا محاكاة لليهود، لكي يسهل التعامل بين الطائفتين اكراماً لليهود، إذ بغير هذا التشابه الظاهري ـ مع اختلاف العنصرين ـ لا يمكن التفاهم بين طائفة السادة المختارين وطائفة العبيد المحتقرين. ولذلك فاليهود أصلاء في الانسانية، واطهار بحكم عنصرهم المستمد من عنصر الله استمداد الابن من أبيه، وغيرهم إذن جوييم أي حيوانات وانجاس:حيوانا عنصراً وإن كانوا بشراً في الشكل، وأنجاس لأن عنصرهم الشيطاني أو الحيواني أصلاً لا يمكن ان يكون الا نجاساً . يتبع .
|